للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ وَجْهَ الدَّلَالَةِ فِي السُّكُوتِ لَا يَخْتَلِفُ، ثُمَّ الْمُخْبِرُ إنْ كَانَ فُضُولِيًّا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ أَوْ الْعَدَالَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ

أَوْ بَكَتْ بِغَيْرِ صَوْتٍ فَهُوَ رِضًا وَإِلَّا فَلَا اهـ. وَقَالَ ابْنُ مُقَاتِلٍ: لَا يَكُونُ السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رِضًا؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ قَبْلَهُ رِضًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ، وَأَمَّا بَعْدَهُ فَالْحَاجَةُ إلَى الْإِجَازَةِ وَالسُّكُوتُ لَا يَكُونُ إجَازَةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ، فَإِنَّ السُّكُوتَ عِنْدَ الِاسْتِئْمَارِ لَيْسَ مُلْزِمًا وَبَعْدَهُ إذَا بَلَغَهَا الْخَبَرُ مُلْزِمٌ فَلَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ السُّكُوتِ.

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ: السُّكُوتُ بَعْدَ الْعَقْدِ رَدَّ ذِكْرَهُ فِي الْبَدَائِعِ، قَالَ: وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ وَجْهَ كَوْنِ السُّكُوتِ رِضًا لَا يَخْتَلِفُ قَبْلَ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ، فَكَمَا كَانَ إذْنًا قَبْلَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَى الرِّضَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إجَازَةً بَعْدَهُ لِدَلَالَتِهِ عَلَيْهِ، وَلَا أَثَرَ لِلْفَرْقِ بِكَوْنِهِ مُلْزِمًا وَعَدَمِهِ عَلَى أَنَّ الْحَقَّ أَنَّهُ مُلْزِمٌ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا، غَيْرَ أَنَّهُ فِي تَقَدُّمِ الْعَقْدِ يَثْبُتُ بِهِ اللُّزُومُ فِي الْحَالِ وَقَبْلَهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى التَّزْوِيجِ مِنْ الْمُسْتَأْذِنِ. فَإِنْ قِيلَ يُوَجَّهُ قَوْلُ ابْنِ مُقَاتِلٍ وَرِوَايَةُ أَبِي يُوسُفَ بِالنَّصِّ وَهُوَ رِوَايَةُ الْأَئِمَّةِ السِّتَّةِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ قَالَ «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» فَهَذَا صَرِيحٌ فِي مَنْعِ النِّكَاحِ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ.

فَالْجَوَابُ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهَا لَوْ صَرَّحَتْ بِالرِّضَا بَعْدَ الْعَقْدِ نُطْقًا جَازَ النِّكَاحُ مَعَ أَنَّهُ مُتَنَاوِلٌ ظَاهِرَ النَّهْيِ، فَعُلِمَ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ الْمَنْعُ عَنْ تَنْفِيذِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا وَإِبْرَامُهُ قَبْلَ إذْنِهَا، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّ الْإِجَازَةَ بَعْدَ الْعَقْدِ بِمَاذَا تَكُونُ، فَقُلْنَا: دَلَّ النَّصُّ عَلَى كَوْنِهَا بِمَا كَانَ الْإِذْنُ بِهِ قَبْلَهُ، وَلَا يُعَارِضُهُ النَّهْيُ الْمَذْكُورُ بَعْدَ الِاتِّفَاقِ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مَا ذَكَرْنَا، وَعَلَى هَذَا فَرَّعُوا أَنَّهُ لَوْ اسْتَأْذَنَهَا فِي مُعَيَّنٍ فَرَدَّتْ ثُمَّ زَوَّجَهَا مِنْهُ فَسَكَتَتْ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَلَغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ رَضِيتُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ بَطَلَ بِالرَّدِّ فَالرِّضَا بَعْدَ ذَلِكَ بِعَقْدٍ مَفْسُوخٌ، وَلِذَا اسْتَحْسَنُوا التَّجْدِيدَ عِنْدَ الزِّفَافِ فِيمَا إذَا زَوَّجَ قَبْلَ الِاسْتِئْذَانِ، إذْ غَالِبُ حَالِهِنَّ إظْهَارُ النَّفْرَةِ عِنْدَ فَجْأَةِ السَّمَاعِ. هَذَا وَالْأَوْجَهُ عَدَمُ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الرَّدَّ الصَّرِيحَ لَا يَنْزِلُ عَنْ تَضْعِيفِ كَوْنِ ذَلِكَ السُّكُوتِ دَلَالَةَ الرِّضَا، وَلَوْ كَانَتْ قَالَتْ قَدْ كُنْت قُلْتُ لَا أُرِيدُهُ وَلَمْ تَزِدْ عَلَى هَذَا لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ لِلْإِخْبَارِ بِأَنَّهَا عَلَى امْتِنَاعِهَا.

[فُرُوعٌ] وَلَوْ زَوَّجَهَا وَلِيَّانِ مُسْتَوِيَانِ كُلٌّ مِنْ وَاحِدٍ فَسَكَتَتْ؛ فَعَنْ مُحَمَّدٍ بَطَلَا كَمَا لَوْ أَجَازَتْهُمَا مَعًا وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّ سُكُوتَهَا رِضًا. وَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُمَا يَتَوَقَّفَانِ حَتَّى تُجِيزَ أَحَدَهُمَا بِالْقَوْلِ أَوْ بِالْفِعْلِ، وَنَقَلَهُ فِي الْبَدَائِعِ عَنْ مُحَمَّدٍ فَعَنْهُ حِينَئِذٍ رِوَايَتَانِ. وَلَوْ زَوَّجَهَا مِنْ رَجُلٍ فَبَلَغَهَا فَرَدَّتْ ثُمَّ قَالَتْ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بَعْدَمَا قَالَ لَهَا إنَّ أَقْوَامًا

<<  <  ج: ص:  >  >>