للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا) دَفْعًا لِضَرَرِ الْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ

. (ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ)؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ بِهِ التَّفَاخُرُ

وُضِعَ لِتَأْسِيسِ الْقَرَابَاتِ الصِّهْرِيَّةِ لِيَصِيرَ الْبَعِيدُ قَرِيبًا عَضُدًا وَسَاعِدًا يَسُرُّهُ مَا يَسُرُّكَ وَيَسُوءُهُ مَا يَسُوءُكَ، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا بِالْمُوَافَقَةِ وَالتَّقَارُبِ، وَلَا مُقَارَبَةَ لِلنُّفُوسِ عِنْدَ مُبَاعَدَةِ الْأَنْسَابِ وَالِاتِّصَافِ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ رَأَيْنَا الشَّرْعَ فَسَخَ عَقْدَ النِّكَاحِ إذَا وَرَدَ مِلْكُ الْيَمِينِ لَهَا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ مُعَلَّلًا أَيْضًا بِعِلَّةٍ أُخْرَى عَامَّةٍ لِلطَّرَفَيْنِ عَلَى مَا مَرَّ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ فَعَقْدُهُ مَعَ غَيْرِ الْمُكَافِئِ قَرِيبُ الشَّبَهِ مِنْ عَقْدٍ لَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقَاصِدُهُ، وَإِذَا كَانَ إيَّاهُ فَسَدَ، وَإِذَا كَانَ طَرِيقَهُ كُرِهَ وَلَمْ يَلْزَمْ لِمُولِيهِ إذَا انْفَرَدَ بِهِ الْوَلِيُّ لِظُهُورِ الْإِضْرَارِ بِهَا

. (قَوْلُهُ وَإِذَا زَوَّجَتْ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَلِلْأَوْلِيَاءِ) وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مَحَارِمَ كَابْنِ الْعَمِّ (أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا دَفْعًا لِلْعَارِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ) مَا لَمْ يَجِئْ مِنْ الْوَلِيِّ دَلَالَةُ الرِّضَا كَقَبْضِهِ الْمَهْرَ أَوْ النَّفَقَةَ أَوْ الْمُخَاصَمَةِ فِي أَحَدِهِمَا وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ وَكَالتَّجْهِيزِ وَنَحْوِهِ، كَمَا لَوْ زَوَّجَهَا عَلَى السَّكْتِ فَظَهَرَ عَدَمُهَا، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَطَ الْعَاقِدُ الْكَفَاءَةَ أَوْ أَخْبَرَهُ الزَّوْجُ بِمَا حَيْثُ كَانَ لَهُ التَّفْرِيقُ، أَمَّا إذَا لَمْ يَشْتَرِطْ وَلَمْ يُخْبِرْهُ فَذَكَرَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى فِيمَنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِمَّا لَا يُعْلَمُ حَالُهُ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ بَلْ لِلْأَوْلِيَاءِ، أَوْ زَوَّجَهَا الْأَوْلِيَاءُ مِمَّنْ لَا يَعْلَمُونَ وَلَمْ يُخْبِرْهُمْ بِحُرِّيَّتِهِ وَرِقِّهِ فَإِذَا هُوَ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ فِي النِّكَاحِ لَيْسَ لَهُمْ الْفَسْخُ.

وَلَوْ أَخْبَرَ بِحُرِّيَّتِهِ أَوْ شَرَطُوا ذَلِكَ فَظَهَرَ بِخِلَافِهِ كَانَ لِلْعَاقِدِ الْفَسْخُ، وَلَا يَكُونُ سُكُوتُ الْوَلِيِّ رِضًا إلَّا إنْ سَكَتَ إلَى أَنْ وَلَدَتْ فَلَيْسَ لَهُ حِينَئِذٍ التَّفْرِيقُ. وَعَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ لَهُ التَّفْرِيقَ بَعْدَ الْوِلَادَةِ أَيْضًا، وَهَذِهِ الْفُرْقَةُ فَسْخٌ لَا يُنْقِصُ عَدَدَ الطَّلَاقِ وَلَا يَجِبُ عِنْدَهَا شَيْءٌ مِنْ الْمَهْرِ إنْ وَقَعَتْ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَبَعْدَهُ لَهَا الْمُسَمَّى، وَكَذَا بَعْدَ الْخَلْوَةِ الصَّحِيحَةِ وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ وَلَهَا نَفَقَةُ الْعِدَّةِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً. وَلَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْفُرْقَةُ إلَّا بِالْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهِدٌ فِيهِ وَكُلٌّ مِنْ الْخَصْمَيْنِ يَتَشَبَّثُ بِدَلِيلٍ فَلَا يَنْقَطِعُ النِّزَاعُ إلَّا بِفَصْلِ الْقَاضِي، وَالنِّكَاحُ قَبْلَهُ صَحِيحٌ يَتَوَارَثَانِ بِهِ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْقَضَاءِ، هَذَا عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، أَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْمُخْتَارَةِ لِلْفَتْوَى لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ أَصْلًا إذَا كَانَتْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ. وَهَلْ لِلْمَرْأَةِ إذَا زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْ أَنْ يَطَأَهَا؟ مُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ نَعَمْ.

قَالَ فِي التَّجْنِيسِ: هَذَا وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ظَاهِرِ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ مِنْ حُجَّةِ الْمَرْأَةِ أَنْ تَقُولَ: إنَّمَا تَزَوَّجْتُكَ عَلَى رَجَاءِ أَنْ يُجِيزَ الْوَلِيُّ وَعَسَى لَا يَرْضَى فَيُفَرِّقُ فَيَصِيرُ هَذَا وَطْئًا بِشُبْهَةٍ. وَرِضَا بَعْضِ الْأَوْلِيَاءِ الْمُسْتَوِينَ فِي دَرَجَةٍ كَرِضَا كُلِّهِمْ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْكُلِّ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِرِضَا الْكُلِّ، كَالدَّيْنِ الْمُشْتَرَكِ، قُلْنَا: هُوَ حَقٌّ لَهُمْ لَكِنْ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى الْكَمَالِ كَوِلَايَةِ الْأَمَانِ، فَإِذَا أَبْطَلَهُ أَحَدُهُمْ لَا يَبْقَى كَحَقِّ الْقِصَاصِ، أَمَّا لَوْ رَضِيَ الْأَبْعَدُ كَانَ لِلْأَقْرَبِ الِاعْتِرَاضُ. وَلَوْ زَوَّجَهَا الْوَلِيُّ بِإِذْنِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا مِنْهُ ثَانِيًا كَانَ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ التَّفْرِيقُ، وَلَا يَكُونُ الرِّضَا بِالْأَوَّلِ رِضًا بِالثَّانِي؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَبْعُدُ رُجُوعُهُ عَنْ خُلَّةٍ دَنِيَّةٍ، وَكَذَا لَوْ زَوَّجَهَا هُوَ مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ فَطَلَّقَهَا فَتَزَوَّجَتْ آخَرَ غَيْرَ كُفْءٍ وَلَوْ تَزَوَّجَتْهُ ثَانِيًا فِي الْعِدَّةِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا لَزِمَهُ مَهْرٌ ثَانٍ وَاسْتَأْنَفَتْ الْعِدَّةَ وَإِنْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ فِي الثَّانِي، وَسَتَأْتِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ الْعِدَّةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

(قَوْلُهُ ثُمَّ الْكَفَاءَةُ تُعْتَبَرُ فِي النَّسَبِ) جَمِيعُ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفَتَاوَى الْوَلْوَالِجِيِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>