للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«قُرَيْشٌ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَالْعَرَبُ بَعْضُهُمْ أَكْفَاءٌ لِبَعْضٍ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ،

ثَبَتَ اعْتِبَارُ الْكَفَاءَةِ بِمَا قَدَّمْنَاهُ فَيُمْكِنُ ثُبُوتُ تَفْصِيلِهَا أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى عُرْفِ النَّاسِ فِيمَا يَحْقِرُونَهُ وَيُعَيِّرُونَ بِهِ فَيُسْتَأْنَسُ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ فِي ذَلِكَ، خُصُوصًا وَبَعْضُ طُرُقِهِ كَحَدِيثِ بَقِيَّةَ لَيْسَ مِنْ الضَّعْفِ بِذَاكَ، فَقَدْ كَانَ شُعْبَةُ مُعَظِّمًا لِبَقِيَّةِ وَنَاهِيكَ بِاحْتِيَاطِ شُعْبَةَ، وَأَيْضًا تَعَدُّدُ طُرُقِ الْحَدِيثِ الضَّعِيفِ يَرْفَعُهُ إلَى الْحَسَنِ، ثُمَّ الْقُرَشِيَّانِ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ النَّضْرُ بْنُ كَنَانَةَ فَمَنْ دُونَهُ، وَمَنْ لَمْ يُنْسَبْ إلَّا إلَى أَبٍ فَوْقَهُ فَهُوَ عَرَبِيٌّ غَيْرُ قُرَشِيٍّ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ أَوْلَادُ النَّضْرِ قُرَيْشًا تَشْبِيهًا لَهُمْ بِدَابَّةٍ فِي الْبَحْرِ تُدْعَى قِرْشًا تَأْكُلُ دَوَابَّهُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ أَعْظَمِ دَوَابِّ الْبَرِّ عِزَّةً وَفَخْرًا وَنَسَبًا، وَعَلَى هَذَا قَالَ اللِّهْبِيُّ:

وَقُرَيْشٌ هِيَ الَّتِي تَسْكُنُ … الْبَحْرَ بِهَا سُمِّيَتْ قُرَيْشٌ قُرَيْشًا

وَقِيلَ؛ لِأَنَّ النَّضْرَ كَانَ يُسَمَّى قُرَيْشًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّعْبِيِّ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ يَقْرِشُ عَنْ خِلَّةِ النَّاسِ لِيَسُدَّ حَاجَاتِهِمْ بِمَالِهِ وَالتَّقْرِيشُ التَّفْتِيشُ، قَالَ الْحَارِثُ:

أَيّهَا النَّاطِقُ الْمُقَرِّشُ عَنَّا … عِنْدَ عَمْرٍو فَهَلْ لَنَا إبْقَاءُ

وَقِيلَ؛ لِأَنَّهُ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى نَادِي قَوْمِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: اُنْظُرْ إلَى النَّضْرِ كَأَنَّهُ جَمَلٌ قُرَيْشٌ، وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِقُرَيْشِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مَخْلَدٍ كَانَ صَاحِبَ عِيرِهِمْ فَكَانُوا يَقُولُونَ قَدِمَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ وَخَرَجَتْ عِيرُ قُرَيْشٍ وَلِهَذَا الرَّجُلِ ابْنٌ يُسَمَّى بَدْرًا وَهُوَ الَّذِي حَفَرَ بِئْرَ بَدْرٍ وَسُمِّيَتْ بِهِ، وَقِيلَ لِتِجَارَتِهِمْ وَالْقِرْشُ الْكَسْبُ.

وَقِيلَ سُمِّيَتْ بِهِ؛ لِأَنَّ فِهْرَ بْنَ مَالِكٍ: قِيلَ إنَّ اسْمَهُ قُرَيْشٌ، وَإِنَّمَا فِهْرٌ لَقَبُهُ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ لِمُعَاوِيَةَ حِينَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ قُرَشِيًّا إلَّا مَنْ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ فِهْرٍ، وَقِيلَ هُوَ مِنْ الْجَمْعِ، وَالتَّقْرِيشُ التَّجْمِيعُ؛ لِأَنَّ قُصَيًّا جَمَّعَ بَنِي النَّضْرِ فِي الْحَرَمِ مِنْ بَعْدِ تَفَرُّقِهِمْ، وَقِيلَ لَمَّا نَزَلَ قُصَيٌّ الْحَرَمَ فَعَلَ أَفْعَالًا جَمِيلَةً فَقِيلَ لَهُ الْقِرْشُ فَهُوَ أَوَّلُ مَنْ سُمِّيَ بِهِ، وَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي كَوْنُ الْقُرَشِيِّينَ مَنْ جَمَعَهُمَا أَبٌ هُوَ قُصَيٌّ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ، وَيَكُونُ مِنْ التَّجَمُّعِ لَا التَّجْمِيعِ الَّذِي هُوَ فِعْلُ قُصَيٍّ وَالتَّجَمُّعُ كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ النَّضْرِ وَإِنْ كَانَ الْقَائِلُ قَالَ: أَبُوكُمْ قُصَيٌّ كَانَ يُدْعَى مُجَمِّعًا بِهِ جَمَّعَ اللَّهُ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ ابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ ابْنُ مَالِكِ بْنِ النَّضْرِ غَيْرَ أَنَّ الْقَافِيَّةَ اتَّفَقَتْ كَذَلِكَ، وَإِلَّا فَبَعْدَ نَقْلِ أَنَّ قُصَيًّا سُمِّيَ مُجَمِّعًا لِجَمْعِهِ أَوْلَادَ النَّضْرِ عُرِفَ أَنَّ الْقُرَشِيِّينَ مَنْ جَمَعَهُمَا النَّضْرُ.

هَذَا وَقُرَيْشٌ عِمَارَةٌ تَحْتَهَا بُطُونٌ لُؤَيُّ بْنُ غَالِبٍ وَقُصَيٌّ وَعَدِيٌّ وَمِنْهُمْ الْفَارُوقُ .

وَمُرَّةُ وَمِنْ مُرَّةَ تَيْمٌ وَمِنْهُمْ الصِّدِّيقُ . وَمَخْزُومٌ وَمِنْهُمْ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ الْمَخْزُومِيُّ وَهُمَا فَخْذَانِ.

وَهَاشِمٌ فَخْذٌ وَالْعَبَّاسُ فَصِيلَةٌ، وَأَعَمُّ الطَّبَقَاتِ الشُّعَبُ مِثْلُ حِمْيَرَ وَرَبِيعَةَ وَمُضَرَ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ مِثْلُ كِنَانَةَ وَلِذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «فِي قُرَيْشٍ بَطْنٌ بِبَطْنٍ، وَفِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ بِقَبِيلَةٍ» وَنَظَمَ بَعْضُ الْأُدَبَاءِ تَرْتِيبَ الطَّبَقَاتِ فَقَالَ:

قَبِيلَةٌ فَوْقَهَا شَعْبٌ وَبَعْدَهُمَا … عِمَارَةٌ ثُمَّ بَطْنٌ تَلُوهُ فَخِذُ

وَلَيْسَ يُؤْوِي الْفَتَى إلَّا فَصِيلَتُهُ … وَلَا سَدَادَ لِسَهْمٍ مَا لَهُ قُذَذُ

<<  <  ج: ص:  >  >>