وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ تَحَمَّلَتْ فِي النِّكَاحِ فَإِذَا عَيَّنَ فِيهِ يَصِيرُ كَأَنَّ التَّسْمِيَةَ وَقَعَتْ عَلَيْهِ
مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْعَيْنِ كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ وَالْعُقْرِ وَغَيْرِ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ يُسَلَّمُ لَهَا إذَا دَخَلَ بِهَا أَوْ مَاتَ عَنْهَا؛ لِأَنَّهُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَمِلْكُ الْأَصْلِ كَانَ سَالِمًا لَهَا، وَقَدْ تَقَرَّرَ ذَلِكَ بِالْمَوْتِ وَالدُّخُولِ فَكَذَلِكَ الزِّيَادَةُ، فَأَمَّا إذَا طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَالزِّيَادَةُ الْمُتَوَلِّدَةُ مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ مَعَ الْأَصْلِ؛ لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ جُزْءٍ مِنْ الْعَيْنِ، وَالْحَادِثُ مِنْ الزِّيَادَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ الْقَبْضِ كَالْمَوْجُودِ وَقْتَ الْعَقْدِ بِدَلِيلِ الْمَبِيعَةِ فَإِنَّ الزِّيَادَةَ الْمُتَوَلِّدَةَ هُنَاكَ كَالْمَوْجُودَةِ وَقْتَ الْعَقْدِ حَتَّى يَصِيرَ بِمُقَابَلَتِهَا شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ.
وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَوَلِّدَةِ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَلَا تَتَنَصَّفُ بِالطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ بَلْ الْكُلُّ لَهَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَفِي قَوْلِهِمَا تَتَنَصَّفُ مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا لَوْ جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا قَبْلَ الدُّخُولِ حَتَّى بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ جَمِيعِ الصَّدَاقِ يُسَلَّمُ لَهَا الْكَسْبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَدُورُ الْكَسْبُ مَعَ الْأَصْلِ، وَكَذَا الْمَبِيعُ قَبْلَ الْقَبْضِ يُسَلَّمُ الْكَسْبُ لِلْمُشْتَرِي، وَعِنْدَهُمَا هُوَ لِلْبَائِعِ.
لَهُمَا أَنَّ الْكَسْبَ زِيَادَةٌ مُنْفَصِلَةٌ عَنْ الْأَصْلِ فَيَكُونُ كَالْوَلَدِ فَكَمَا لَا يُسَلَّمُ لَهَا إذَا بَطَلَ مِلْكُهَا عَنْ الْأَصْلِ فَكَذَلِكَ هَذَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ بُطْلَانَ مِلْكِهَا عَنْ الْأَصْلِ لِانْفِسَاخِ السَّبَبِ فِيهِ، وَالزِّيَادَةُ إنَّمَا تُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ مُتَوَلِّدَةً كَانَتْ أَوْ لَا، فَإِذَا انْفَسَخَ سَبَبُ الْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ لَا يَبْقَى سَبَبًا لَمِلْكِ الزِّيَادَةِ. وَحَقِيقَةُ الْوَجْهِ لِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ سَبَبَ مِلْكِ الزِّيَادَةِ غَيْرُ سَبَبِ مِلْكِ الْأَصْلِ بَلْ مِلْكُ الْأَصْلِ يَصِيرُ شَرْطًا، فَسَبَبُ مِلْكِ الْأَصْلِ مَثَلًا قَبُولُ عَقْدِ النِّكَاحِ، وَفِي الزِّيَادَةِ الِاكْتِسَابُ لِلْمُكْتَسِبِ وَهُوَ إمَّا احْتِطَابُ الْعَبْدِ أَوْ إجَارَتُهُ نَفْسَهُ أَوْ قَبُولُهُ الْهِبَةَ، وَهَذِهِ الْأَسْبَابُ لَا تَنْفَسِخُ بِالطَّلَاقِ غَيْرَ أَنَّ الْمُكْتَسِبَ إذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلْمِلْكِ خَلَفَهُ فِيهِ مَوْلَاهُ بِذَلِكَ السَّبَبِ لِوَصْلَةِ الْمِلْكِ بَيْنَهُمَا وَقْتَ الِاكْتِسَابِ، وَبِبُطْلَانِ مِلْكِهِ فِي الْأَصْلِ لَا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَمْ يَخْلُفْهُ فِي الْمِلْكِ بِذَلِكَ السَّبَبِ، وَلَيْسَ الْكَسْبُ كَالزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ؛ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّدَ جُزْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَسْرِي إلَيْهِ مِلْكُ الْأَصْلِ لَا أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا بِسَبَبٍ حَادِثٍ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبَةِ يَكُونُ مُكَاتَبًا وَكَسْبُهَا لَا يَكُونُ مُكَاتَبًا، وَوَلَدُ الْمَبِيعَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ يَكُونُ مَبِيعًا يُقَابِلُهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَ الْقَبْضِ وَكَسْبُهُ لَيْسَ مَبِيعًا وَلَا يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ وَإِنْ قَبَضَ مَعَ الْأَصْلِ، وَلَوْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ مَعَ الزِّيَادَةِ الْمُتَوَلِّدَةِ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَنَصَّفَ الْأَصْلُ وَالزِّيَادَةُ؛ لِأَنَّ حُكْمَ التَّنَصُّفِ بِالطَّلَاقِ ثَبَتَ فِي الْكُلِّ حِينَ كَانَتْ الزِّيَادَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِقَبْضِهَا؛ وَلَوْ كَانَتْ قَبَضَتْ الْأَصْلَ قَبْلَ حُدُوثِ الزِّيَادَةِ فَحَدَثَتْ فِي يَدِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ أَوْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ وَهِيَ إمَّا مُنْفَصِلَةٌ أَوْ مُتَّصِلَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ كَالْكَسْبِ وَالْغَلَّةِ فَهُوَ سَالِمٌ لَهَا وَرَدَّتْ نِصْفَ الْأَصْلِ عَلَى الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الْكَسْبِ كَانَ بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهَا وَيَدِهَا فَيَكُونُ سَالِمًا لَهَا، وَإِنْ لَزِمَهَا رَدُّ الْأَصْلِ أَوْ بَعْضِهِ كَالْمَبِيعِ إذَا اكْتَسَبَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ثُمَّ رَدَّ الْأَصْلَ بِعَيْبٍ يَبْقَى الْكَسْبُ سَالِمًا لَهُ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ ﷺ «الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ» وَقَدْ كَانَ الصَّدَاقُ فِي ضَمَانِهَا فَتُسَلِّمُ مَنْفَعَتَهُ وَالْكَسْبُ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ؛ وَإِنْ كَانَتْ مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْعَيْنِ.
فَإِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثِّمَارِ امْتَنَعَ تَنَصُّفُ الْأَصْلِ بِالطَّلَاقِ وَعَوْدُ الْكُلِّ إلَيْهِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا، وَإِنَّمَا لِلزَّوْجِ فِي الطَّلَاقِ نِصْفُ قِيمَةِ الْأَصْلِ، وَفِي رِدَّتِهَا جَمِيعَ قِيمَتِهِ يَوْمَ دُفِعَ إلَيْهَا فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، وَعَلَى قَوْلِ زُفَرَ يَتَنَصَّفُ الْأَصْلُ مَعَ الزِّيَادَةِ بِالطَّلَاقِ وَيَعُودُ الْكُلُّ إلَى الزَّوْجِ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ مِنْ قِبَلِهَا؛ لِأَنَّ بِقَبْضِهَا لَا يَتَأَكَّدُ مِلْكُهَا مَا لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، بَلْ تَوَهُّمُ عَوْدِ النِّصْفِ إلَى الزَّوْجِ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْكُلِّ إذَا جَاءَتْ الْفُرْقَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute