للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«لَعَنَ اللَّهُ الْفُرُوجَ عَلَى السُّرُوجِ» وَيُقَالُ فُلَانٌ رَأْسُ الْقَوْمِ وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ وَهَلَكَ رُوحُهُ بِمَعْنَى نَفْسُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ فِي رِوَايَةٍ يُقَالُ دَمُهُ هَدَرٌ وَمِنْهُ النَّفْسُ وَهُوَ ظَاهِرٌ (وَكَذَلِكَ إنْ) (طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهَا مِثْلَ أَنْ يَقُولَ نِصْفُك أَوْ ثُلُثُك) طَالِقٌ لِأَنَّ الشَّائِعَ مَحِلٌّ لِسَائِرِ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ فَكَذَا يَكُونُ مَحِلًّا لِلطَّلَاقِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي حَقِّ الطَّلَاقِ فَيَثْبُتَ فِي الْكُلِّ ضَرُورَةً (وَلَوْ قَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك طَالِقٌ لَمْ يَقَعْ الطَّلَاقُ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ: يَقَعُ، وَكَذَا الْخِلَافُ فِي كُلِّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ. لَهُمَا أَنَّهُ جُزْءٌ مُسْتَمْتَعٌ بِعَقْدِ النِّكَاحِ

مِنْ كَوْنِ لَفْظِ الْفَرْجِ يُطْلَقُ عَلَى الْمَرْأَةِ عَنْتَرَةَ لِلْبَعْضِ عَلَى الْكُلِّ (قَوْلُهُ رَأْسَ الْقَوْمِ) أَيْ أَكْبَرَهُمْ (وَيَا وَجْهَ الْعَرَبِ) يَعْنِي يَا أَوْجَهَهُمْ.

وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا أَوْرَدَ أَنَّ الِاسْتِدْلَالَ بِهِ فَاسِدٌ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْقَوْمَ كَالْجَسَدِ وَفُلَانَ الرَّأْسُ مِنْهُ لَا أَنَّ فُلَانًا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْقَوْمِ كُلِّهِمْ.

وَكَذَا مَا قِيلَ مَعْنَى يَا وَجْهَ الْعَرَبِ أَنَّك فِي الْعَرَبِ بِمَنْزِلَةِ الْوَجْهِ لَا أَنَّهُ عَبَّرَ بِهِ عَنْ جُمْلَةِ الْعَرَبِ بِالْوَجْهِ وَنَادَاهُمْ بِهِ وَلَا يَتِمُّ اسْتِدْلَالُهُ بِهِ، عَلَى أَنَّ الْوَجْهَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ يَا وَجْهَ الْعَرَبِ يَا أَيُّهَا الْعَرَبُ اهـ. وَمَبْنَى كَلَامِهِ أَنَّ التَّرْكِيبَ اسْتِعَارَةٌ بِالتَّرْكِيبِ شُبِّهَتْ الْعَرَبُ بِالْجِسْمِ الْوَاحِدِ لِتَحَامُلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَتَأَلُّمِ بَعْضِهِمْ بِتَأَلُّمِ بَعْضٍ، فَأَثْبَتَ لَهُ الْوَجْهَ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ مَجَازًا اسْتِعَارَةً تَحْقِيقِيَّةً شَبَّهَ الرَّجُلَ بِالرَّأْسِ لِشَرَفِهِ عَلَى سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِكَوْنِهِ مَجْمَعَ الْحَوَاسِّ وَبِالْوَجْهِ لِظُهُورِهِ وَشُهْرَتِهِ فَأَطْلَقَ عَلَيْهِ رَأْسَ الْقَوْمِ وَوَجْهَهُمْ: أَيْ أَشْرَفَهُمْ.

وقَوْله تَعَالَى ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلا وَجْهَهُ﴾ ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾ أَيْ ذَاتُهُ الْكَرِيمَةُ، وَأَعْتَقَ رَأْسًا وَرَأْسَيْنِ مِنْ الرَّقِيقِ أَوْ إنَّا بِخَيْرِ مَا دَامَ رَأْسُك سَالِمًا يُقَالُ مُرَادًا بِهِ الذَّاتُ أَيْضًا (قَوْلُهُ وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ الدَّمُ) يَعْنِي فِي رِوَايَةٍ تُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْكُلُّ، وَهِيَ رِوَايَةُ كِتَابِ الْكَفَالَةِ، قَالَ: لَوْ كَفَلَ بِدَمِهِ يَصِحُّ، وَرِوَايَةُ كِتَابِ الْعِتْقِ لَا تَصِحُّ، فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا قَالَ: دَمُك حُرٌّ لَا يُعْتَقُ. وَفِي الْخُلَاصَةِ صَحَّحَ عَدَمَ الْوُقُوعِ (قَوْلُهُ وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَ جُزْءًا شَائِعًا) يَعْنِي يَقَعُ عَلَيْهَا كَنِصْفِهَا وَرُبْعِهَا وَسُدُسِهَا لِأَنَّ الشَّائِعَ مَحِلُّ التَّصَرُّفَاتِ كَالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَالْإِجَارَةِ (قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: يَدُك طَالِقٌ أَوْ رِجْلُك) وَهَذَا يُقَابِلُ مَعْنَى الْأَوَّلِ: أَيْ الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ كَرَقَبَتُك فَإِنَّهُ جُزْءٌ مُعَيَّنٌ لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ.

وَمِنْهُ الْأُصْبُعُ وَالدُّبُرُ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِإِضَافَتِهِ إلَيْهِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ بِالْإِضَافَةِ إلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ وَالسِّنِّ وَالرِّيقِ وَالْعَرَقِ وَالْحَمْلِ لَا يَقَعُ، وَالْعَتَاقُ وَالظِّهَارُ وَالْإِيلَاءُ وَكُلُّ سَبَبٍ مِنْ أَسْبَابِ الْحُرْمَةِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ، فَلَوْ ظَاهَرَ أَوْ آلَى أَوْ أَعْتَقَ إصْبَعَهَا لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا وَيَصِحُّ عِنْدَهُمْ، وَكَذَا الْعَفْوُ عَنْ الْقِصَاصِ وَمَا كَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْحِلِّ كَالنِّكَاحِ لَا تَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى الْجُزْءِ الْمُعَيَّنِ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْكُلِّ بِلَا خِلَافٍ.

(قَوْلُهُ لَهُمَا) حَاصِلُهُ قِيَاسُ مُرَكَّبِ نَتِيجَةِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ: أَيْ الْجُزْءُ الْمُعَيَّنُ الَّذِي لَا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْجُمْلَةِ مَحِلٌّ لِحُكْمِ

<<  <  ج: ص:  >  >>