كَمَا فِي قَوْلِهِ مَتَى شِئْت. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كَلِمَةَ إذَا تُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرْطِ أَيْضًا، قَالَ قَائِلُهُمْ:
وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاك رَبُّك بِالْغِنَى … وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
الْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ فِي الْمُجَازَاةِ، فَأَوْرَدَ الشَّاهِدِينَ لَهُمَا لِلدَّلَالَةِ عَلَى قِيَامِ الْوَقْتِ مَعَ الشَّرْطِ، وَلَيْسَ لَهُمَا حَاجَةٌ أَنْ يُبَيِّنَهَا أَنَّهَا لِلْوَقْتِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الشَّرْطِ، بَلْ حَاجَتُهُمَا فِي إثْبَاتِ الِاجْتِمَاعِ لِيَكُونَ دَفْعًا ظَاهِرًا لِقَوْلِ الْكُوفِيِّينَ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُسْتَعْمَلُ لِلشَّرْطِ أَيْضًا) يَعْنِي الشَّرْطَ الْمُجَرَّدَ عَنْ مَعْنَى الظَّرْفِيَّةِ وَإِلَّا لَا يُفِيدُ.
وَهَذَا مَذْهَبٌ نُقِلَ عَنْ الْكُوفِيِّينَ، وَاسْتَشْهَدَ بِقَوْلِهِ
وَإِذَا تُصِبْك خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلْ
حَيْثُ جُزِمَ بِهَا فَصَارَتْ مُحْتَمِلَةً لِكُلٍّ مِنْ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ عَنْ الظَّرْفِ؛ وَالظَّرْفُ إمَّا عَلَى حَدٍّ سَوَاءٍ، وَإِمَّا عَلَى أَنَّهَا مَجَازٌ عِنْدَهُ فِي الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ وَكَثُرَ حَتَّى صَارَ كَالظَّاهِرِ فَتَسَاوَيَا كَمَا قِيلَ، وَلِذَا صَدَّقَهُ الْقَاضِي فِي دَعْوَاهُ إرَادَةَ الشَّرْطِ الْمُجَرَّدِ، وَبِهَذَا يَقَعُ الْفَرْقُ لَهُمَا بَيْنَ هَذِهِ وَمَسْأَلَةِ الْحَلِفِ عَلَى أَنْ لَا يَشْرَبَ مِنْ دِجْلَةَ حَيْثُ صَرَفَاهَا إلَى الشُّرْبِ بِالْآنِيَةِ وَكَرَعَا لِأَنَّ الْمَجَازَ هُنَاكَ غَالِبٌ.
وَاحْتَاجَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى الْفَرْقِ لِأَنَّهُ جَزَمَ هُنَاكَ أَنَّهَا بِالْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ لَا هُنَا، وَفَرْقُهُ أَنَّ حُكْمَ الْحَقِيقَةِ وَهُوَ الْحِنْثُ بِالْكَرَعِ ثَابِتٌ فِيهِ عَلَى اعْتِبَارِ الْحَقِيقَةِ وَاعْتِبَارِ الْمَجَازِ لِأَنَّ حُكْمَهُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ الشُّرْبِ اغْتِرَافًا فَكَانَ حُكْمُ الْحَقِيقَةِ ثَابِتًا يَقِينًا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَاعْتُبِرَتْ لِذَلِكَ: أَيْ لِلتَّيَقُّنِ بِحُكْمِهَا، بِخِلَافِ الْمَجَازِ بِخِلَافِ مَعْنَى الظَّرْفِ هُنَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي الْوُقُوعَ فِي الْحَالِ وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الْمَجَازِ، وَأَنْتَ سَمِعْت أَنَّ الْبَصْرِيِّينَ يَمْنَعُونَ سُقُوطَ مَعْنَى الظَّرْفِ عَنْهَا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَتْ شَرْطًا كَمَتَى، فَثُبُوتُ الِاحْتِمَالَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ مَمْنُوعٌ، وَأَمَّا كَوْنُهَا مَجَازًا فِي جُزْءِ مَعْنَاهَا فَلَمْ يُسْمَعْ يَقِينًا، وَبِتَقْدِيرِ إحْدَاثِهِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النَّقْلِ فِي آحَادِ الْمَجَازِ فَكَوْنُهُ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ مَمْنُوعٌ، ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَرَادَ مَعْنَى الشَّرْطِ أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْقَاضِي بَلْ يَصِحُّ دِيَانَةً لِأَنَّهُ الْوَجْهُ عِنْدَهُمَا ظُهُورُهَا فِي الظَّرْفِ، فَمُرَادُهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ وَالْبَيْتُ الْمَذْكُور لَهُ قَائِلُهُ عَبْدُ قَيْسِ بْنِ خِفَافِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَنْظَلَةَ يُوصِي جُبَيْلًا ابْنَهُ بِقَصِيدَةٍ فِيهَا آدَابٌ وَمَصَالِحُ أَوَّلُهَا:
أَجُبَيْلُ إنَّ أَبَاك كَارِبُ يَوْمِهِ … فَإِذَا دُعِيت إلَى الْمَكَارِمِ فَاعْجَلْ
أُوصِيكَ إيصَاءَ امْرِئٍ لَك نَاصِحٌ … ظَنَّ بِرَيْبِ الدَّهْرِ غَيْرَ مَعْقِلِ
اللَّهَ فَاتَّقِهِ وَأَوْفِ بِنَذْرِهِ … وَإِذَا حَلَفْت مُمَارِيًا فَتَحَلَّلْ
وَالضَّيْفَ تُكْرِمْهُ فَإِنَّ مَبِيتَهُ … حَقٌّ وَلَا تَكُ لَعْنَةً لِلنُّزُلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute