للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَالِاحْتِمَالِ، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ أَلْبَتَّةَ، أَمَّا إذَا نَوَى الْوَقْتَ يَقَعُ فِي الْحَالِ وَلَوْ نَوَى الشَّرْطَ يَقَعُ فِي آخِرِ الْعُمُرِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهَا.

(وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) مَعْنَاهُ قَالَ ذَلِكَ وُصُولًا بِهِ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ

الْأُولَيَيْنِ يَقَعُ عِنْدَ التَّزَوُّجِ اتِّفَاقًا، وَفِي الثَّالِثَةِ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَقَعُ.

وَالْأَصْلُ أَنَّ الطَّلَاقَ إذَا أُضِيفَ إلَى وَقْتَيْنِ أَحَدُهُمَا يَقْبَلُهُ وَالْآخِرُ لَا صَحَّ مَا يَقْبَلُهُ وَبَطَلَ مَا لَا يَقْبَلُهُ وَإِنَّ الْآخَرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ، وَقَبْلَ وَإِذَا ظَرْفَانِ وَقَبْلَ لَا يَقْبَلُ الطَّلَاقَ، وَإِذَا تَقْبَلُهُ فَأُضِيفَ إلَيْهَا، وَلَهُمَا فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الثَّالِثَةِ وَمَا قَبْلَهَا تُرَجَّحُ جِهَةُ الشَّرْطِ بِدَلِيلِ ذِكْرِ الْفَاءِ فِي الْجَزَاءِ، فَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ عِنْدَ التَّزَوُّجِ: أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ أَتَزَوَّجَك فَلَا يَقَعُ، أَوْ لِأَنَّ الْآخَرَ وَهُوَ الْإِضَافَةُ إلَى قَبْلَ نَسَخَ الْأَوَّلَ (وَقَوْلُهُ بِخِلَافِ مَسْأَلَةِ الْمَشِيئَةِ لِأَنَّهُ عَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلْوَقْتِ لَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهَا لِلشَّرْطِ يَخْرُجُ وَالْأَمْرُ صَارَ فِي يَدِهَا فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ) اُعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّ وُقُوعَ الشَّكِّ فِي الشَّرْطِيَّةِ وَالظَّرْفِيَّةِ يُوجِبُ وُقُوعَهُ فِي الْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ فِي الْحَالِ، لِأَنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الشَّرْطِيَّةِ تَحِلُّ وَعَلَى تَقْدِيرِ الظَّرْفِيَّةِ تَطْلُقُ فَكَانَ يَجِبُ أَنْ تَحْرُمَ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ وَهُوَ اعْتِبَارُ الظَّرْفِ كَمَا قَالَا.

وَأُجِيبُ بِأَنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ التَّرَدُّدِ فِي الْأَمْرِ، فَإِنَّهُ لَوْ شَكَّ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَتِهِ جَاءَ فِيهِ أَنَّ عَلَى اعْتِبَارِ الِانْتِقَاضِ تَحْرُمُ الصَّلَاةُ وَعَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِهِ تَحِلُّ وَمَعَ هَذَا لَا تَتَرَجَّحُ الْحُرْمَةُ وَإِنْ كَانَ مَبْنَى الصَّلَاةِ عَلَى الِاحْتِيَاطِ لِأَنَّ الشَّكَّ لَا يُوجِبُ شَيْئًا إنَّمَا ذَلِكَ فِي تَعَارُضِ دَلِيلِ الْحُرْمَةِ مَعَ دَلِيلِ الْحِلِّ فَالِاحْتِيَاطُ الْعَمَلُ بِدَلِيلِ الْحُرْمَةِ، أَمَّا هُنَا لَوْ اعْتَبَرْنَا الْحُرْمَةَ لَمْ نَعْمَلْ بِدَلِيلٍ بَلْ بِالشَّكِّ، وَهُنَاكَ يَقَعُ الْعَمَلُ بِالدَّلِيلِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ.

وَاعْلَمْ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ يُشْكِلُ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِيمَا إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ. وَحِينَئِذٍ فَمُقْتَضَى الْوَجْهِ فِي الْمَشِيئَةِ أَنَّ عَلَى قَوْلِهِمَا لَا يَخْرُجُ مِنْ يَدِهَا وَعَلَى قَوْلِهِ يَخْرُجُ، وَكَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّهُ نَوَى وَلَمْ تُدْرَ نِيَّتُهُ لِعَارِضٍ عَرَاهُ، وَأَمَّا إذَا عُرِفَتْ بِأَنَّ اسْتَفْسَرَ فَقَالَ: أَرَدْت الزَّمَانَ فَيَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ عَلَى قَوْلِهِمَا وَلَا يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا، وَكَذَا عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ عَلَى نَفْسِهِ.

وَإِنْ قَالَ: أَرَدْت الشَّرْطَ صُدِّقَ عَلَى قَوْلِهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَى قَوْلِهِمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ، وَأَمَّا فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ: أَعْنِي قَوْلَهُ أَنْتِ طَالِقٌ إذَا لَمْ أُطَلِّقْك، فَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الزَّمَانَ صُدِّقَ عِنْدَهُمَا، وَإِنْ قَالَ: عَنَيْت الشَّرْطَ لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ، وَفِيهِ تَخْفِيفٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَعَلَى قَوْلِهِ يُصَدَّقُ فِي الشَّرْطِ وَفِي الظَّرْفِ لِكَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ مُحْتَمَلَاتِهَا مَعَ أَنَّ فِي الثَّانِي تَشْدِيدًا عَلَى نَفْسِهِ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ فَهِيَ طَالِقٌ بِهَذِهِ التَّطْلِيقَةِ) الْمُنَجَّزَةِ فَقَطْ، حَتَّى لَوْ كَانَ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا مَا لَمْ أُطَلِّقْك أَنْتِ طَالِقٌ وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ. وَعِنْدَ زُفَرَ ثَلَاثٌ (مَعْنَاهُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَوْصُولًا بِهِ) فَلَوْ فَصَلَ وَقَعَ الْمُضَافُ وَالْمُنَجَّزُ جَمِيعًا (وَالْقِيَاسُ أَنْ يَقَعَ الْمُضَافُ أَيْضًا فَيَقَعَانِ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا) فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولًا بِهَا يَقَعُ الْمُضَافُ وَحْدَهُ (وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِأَنَّهُ وُجِدَ زَمَانٌ لَمْ يُطَلِّقْهَا فِيهِ وَإِنْ قَلَّ، وَهُوَ زَمَانُ قَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْهَا. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ زَمَانَ

<<  <  ج: ص:  >  >>