الْمُنَاظَرَةِ وَمَجْلِسُ الْقِتَالِ غَيْرُهُمَا.
وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا بِمُجَرَّدِ الْقِيَامِ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، بِخِلَافِ الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ هُنَاكَ الِافْتِرَاقُ مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي تَصَرُّفٍ آخَرَ غَيْرِهِ (فَإِنْ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فِي قَوْلِهِ اخْتَارِي كَانَتْ وَاحِدَةً بَائِنَةً).
وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَذَا شَيْءٌ، وَإِنْ نَوَى الزَّوْجُ الطَّلَاقَ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَلَا يَمْلِكُ التَّفْوِيضَ إلَى غَيْرِهِ إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّاهُ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃، وَلِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ مِنْ أَنْ يَسْتَدِيمَ نِكَاحَهَا أَوْ يُفَارِقَهَا فَيَمْلِكُ إقَامَتَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ، ثُمَّ الْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ لِأَنَّ اخْتِيَارَهَا نَفْسَهَا بِثُبُوتِ اخْتِصَاصِهَا بِهَا وَذَلِكَ فِي الْبَائِنِ (وَلَا يَكُونُ ثَلَاثًا وَإِنْ
فِي الْأَكْلِ انْقَضَى مَجْلِسُ الْحَدِيثِ وَجَاءَ مَجْلِسُ الْأَكْلِ، فَلَوْ انْتَقَلَا إلَى الْمُنَاظَرَةِ انْقَضَى مَجْلِسُ الْأَكْلِ وَجَاءَ مَجْلِسُ الْمُنَاظَرَةِ، وَلَوْ خَيَّرَهَا فَلَبِسَتْ ثَوْبًا أَوْ شَرِبَتْ لَا يَبْطُلُ خِيَارُهَا لِأَنَّ الْعَطَشَ قَدْ يَكُونُ شَدِيدًا يَمْنَعُ التَّأَمُّلَ، وَلِبْسُ الثَّوْبِ قَدْ يَكُونُ لِتَدْعُوَ شُهُودًا، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَكَلَتْ مَا لَيْسَ قَلِيلًا أَوْ امْتَشَطَتْ أَوْ أَقَامَهَا الزَّوْجُ قَسْرًا فَإِنَّهُ يَخْرُجُ الْأَمْرُ مِنْ يَدِهَا لِظُهُورِ الْإِعْرَاضِ بِهِ.
وَوَجْهٌ بِأَنَّ فِي الْإِقَامَةِ أَنَّهَا يُمْكِنُهَا مُمَانَعَتُهُ فِي الْقِيَامِ أَوْ تُبَادِرُ الزَّوْجَ بِاخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا فَعَدَمُ ذَلِكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَكَذَا إذَا خَاضَتْ فِي كَلَامٍ آخَرَ، قَالَ تَعَالَى ﴿حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾ أَفَادَ أَنَّهُ إعْرَاضٌ عَنْ الْأَوَّلِ (قَوْلُهُ: ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ) أَيْ نِيَّةِ الطَّلَاقِ فِي قَوْلِهِ (اخْتَارِي لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي نَفْسِهَا) بِالْإِقَامَةِ عَلَى النِّكَاحِ وَعَدَمِهِ (وَيَحْتَمِلُ تَخْيِيرَهَا فِي غَيْرِهِ) مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ، فَإِذَا اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَأَنْكَرَ قَصْدَ الطَّلَاقِ فَالْقَوْلُ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ، أَمَّا إذَا خَيَّرَهَا بَعْدَ مُذَاكَرَةِ الطَّلَاقِ فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا ثُمَّ قَالَ: لَمْ أَنْوِ الطَّلَاقَ لَا يُصَدَّقُ فِي الْقَضَاءِ، وَكَذَا إذَا كَانَا فِي غَضَبٍ أَوْ شَتِيمَةٍ، وَإِذَا لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لَا يَسَعُ الْمَرْأَةَ أَنْ تُقِيمَ مَعَهُ إلَّا بِنِكَاحٍ مُسْتَقْبَلٍ (قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَقَعَ بِهَا شَيْءٌ) لِأَنَّ التَّمْلِيكَ فَرْعُ مِلْكِ الْمُمَلَّكِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، لَوْ قَالَ: اخْتَرْت نَفْسِي مِنْك أَوْ اخْتَرْتُك مِنْ نَفْسِي نَاوِيًا لَا يَقَعُ، إلَّا أَنَّا اسْتَحْسَنَّا الْوُقُوعَ بِاخْتِيَارِهَا بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ﵃ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّهُ بِسَبِيلٍ إلَخْ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ وَجْهٌ آخَرُ لِلِاسْتِحْسَانِ يُقَابِلُ الْقِيَاسَ وَيَقْتَضِي الْوُقُوعَ بِخُصُوصِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَقْتَضِي جَوَازَ إقَامَتِهَا مَقَامَهُ فِي الْفِرَاقِ وَلَا تَلَاقِيَ بَيْنَهُمَا، بَلْ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَقَعَ بِهِ لِأَنَّ إقَامَتَهَا مَقَامَ نَفْسِهِ فِيمَا يَمْلِكُهُ وَلَا يَمْلِكُ الْإِيقَاعَ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ فَهُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ
(قَوْلُهُ ثُمَّ الْوَاقِعُ بِهَا بَائِنٌ) رُوِيَ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ ثَلَاثٌ، وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ فِي الْمَدْخُولِ بِهَا، وَفِي غَيْرِهَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْوَاحِدَةِ، وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ، وَثَبَتَ عَنْ عَلِيٍّ ﵁ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ تَوَسُّطٌ بَيْنَ الْغَايَتَيْنِ.
وَرَجَّحَ قَوْلَ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ بِأَنَّ الْكِتَابَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ يُعْقِبُ الرَّجْعَةَ إلَّا أَنْ تَكُونَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ أَخْرَجَ مِنْهُ الطَّلَاقَ بِمَالٍ وَقَبْلَ الدُّخُولِ وَلَزِمَ إخْرَاجُ الطَّلَاقِ بِمَا دَلَّ عَلَى الْبَيْنُونَةِ مِنْ الْأَلْفَاظِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ وَلَفْظُ اخْتَرْت نَفْسِي، بَلْ نَفْسُ تَخْيِيرِهَا يُفِيدُ مِلْكَهَا نَفْسَهَا إذَا اخْتَارَتْهَا لِأَنَّهُ يُنْبِئُ عَنْ الِاسْتِخْلَاصِ وَالصَّفَاءِ مِنْ ذَلِكَ الْمِلْكِ وَهُوَ بِالْبَيْنُونَةِ، وَإِلَّا لَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةُ التَّخْيِيرِ إذَا كَانَ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ.
وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَعُمَرَ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهَا بَائِنَةٌ كَمَا رُوِيَ عَنْهُمَا الرَّجْعِيَّةُ، فَاخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا. وَقَدْ تَرَجَّحَ بِمَا ذَكَرْنَا قَوْلُ عَلِيٍّ وَعُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، ثُمَّ هُوَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُفِيدُ الْخُلُوصَ وَالصَّفَاءَ، وَالْبَيْنُونَةُ تَثْبُتُ فِيهِ مُقْتَضًى فَلَا يَعُمُّ، بِخِلَافِ أَنْتِ بَائِنٌ وَنَحْوِهِ فَلَا يَقَعُ الثَّلَاثُ فِي قَوْلِهِ: اخْتَارِي وَإِنْ نَوَاهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute