نَوَى الزَّوْجُ ذَلِكَ) لِأَنَّ الِاخْتِيَارَ لَا يَتَنَوَّعُ، بِخِلَافِ الْإِبَانَةِ لِأَنَّ الْبَيْنُونَةَ قَدْ تَتَنَوَّعُ.
قَالَ (وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ فِي كَلَامِهَا، حَتَّى لَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي فَقَالَتْ قَدْ: اخْتَرْت فَهُوَ بَاطِلٌ) لِأَنَّهُ عُرِفَ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ فِي الْمُفَسَّرَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَلِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يَصْلُحُ تَفْسِيرًا لِلْمُبْهَمِ الْآخَرِ وَلَا تَعْيِينَ مَعَ الْإِبْهَامِ (وَلَوْ قَالَ لَهَا: اخْتَارِي نَفْسَك فَقَالَتْ: اخْتَرْت تَقَعُ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ) لِأَنَّ كَلَامَهُ مُفَسَّرٌ، وَكَلَامُهَا خَرَجَ جَوَابًا لَهُ فَيَتَضَمَّنُ إعَادَتَهُ
بِخِلَافِ التَّفْوِيضِ بِقَوْلِهِ: أَمْرُك بِيَدِك حَيْثُ تَصِحُّ نِيَّةُ الثَّلَاثِ فِيهِ لِأَنَّ الْأَمْرَ شَامِلٌ بِعُمُومِهِ لِمَعْنَى الشَّأْنِ لِلطَّلَاقِ فَكَانَ مِنْ أَفْرَادِهِ لَفْظًا وَالْمَصْدَرُ يَحْتَمِلُ نِيَّةَ الْعُمُومِ.
وَقِيلَ الْفَرْقُ أَنَّ الْوُقُوعَ بِلَفْظِ الِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَإِجْمَاعُهُمْ انْعَقَدَ عَلَى الطَّلْقَةِ الْوَاحِدَةِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسَائِلِ: أَيْ بَائِنٌ وَنَحْوُهُ لِأَنَّ الْوُقُوعَ مُقْتَضَى نَفْسِ الْأَلْفَاظِ وَمُقْتَضَاهَا الْبَيْنُونَةُ وَهِيَ مُتَنَوِّعَةٌ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِانْتِفَاءِ إجْمَاعِهِمْ عَلَى الْوَاحِدَةِ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ قَوْلِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ الْوَاقِعَ بِهِ ثَلَاثٌ قَوْلًا بِكَمَالِ الِاسْتِخْلَاصِ.
(قَوْلُهُ: وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ النَّفْسِ فِي كَلَامِهِ أَوْ كَلَامِهَا) يَعْنِي أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ كَالِاخْتِيَارَةِ وَالتَّطْلِيقَةِ، وَكَذَا إذَا قَالَتْ: اخْتَرْت أَبِي وَأُمِّي أَوْ الْأَزْوَاجَ أَوْ أَهْلِي بَعْدَ قَوْلِهِ: اخْتَارِي يَقَعُ لِأَنَّهُ مُفَسَّرٌ فِي الْأَزْوَاجِ ظَاهِرٌ، وَكَذَا أَهْلِي لِأَنَّ الْكَوْنَ عِنْدَهُمْ وَهُوَ الْمَفْهُومُ مِنْ اخْتَرْت أَهْلِي إنَّمَا يَكُونُ لِلْبَيْنُونَةِ وَعَدَمِ الْوَصْلَةِ مَعَ الزَّوْجِ وَلِذَا تَطْلُقُ بِقَوْلِ الزَّوْجِ: الْحَقِي بِأَهْلِك، بِخِلَافِ قَوْلِهَا: اخْتَرْت قَوْمِي أَوْ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ لَا يَقَعُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لَهَا أَبٌ أَوْ أُمٌّ.
أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَهَا أَخٌ يَنْبَغِي أَنْ يَقَعَ لِأَنَّهَا تَكُونُ عِنْدَهُ عَادَةً عِنْدَ الْبَيْنُونَةِ إذَا عَدِمَتْ الْوَالِدَيْنِ، وَإِنَّمَا اكْتَفَى بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي أَحَدِ الْكَلَامَيْنِ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي كَلَامِهِ تَضَمَّنَ جَوَابُهَا إعَادَتَهُ كَأَنَّهَا قَالَتْ: فَعَلْت ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي كَلَامِهَا فَقَدْ وُجِدَ مَا يَخْتَصُّ بِالْبَيْنُونَةِ فِي اللَّفْظِ الْعَامِلِ فِي الْإِيقَاعِ فَالْحَاجَةُ مَعَهُ لَيْسَ إلَّا إلَى نِيَّةِ الزَّوْجِ، فَإِذَا فُرِضَ وُجُودُهَا تَمَّتْ عِلَّةُ الْبَيْنُونَةِ فَتَثْبُتُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَذْكُرْ النَّفْسَ وَنَحْوَهَا فِي شَيْءٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْمُبْهَمَ لَا يُفَسِّرُ الْمُبْهَمَ إذْ لَفْظُهُ حِينَئِذٍ مُبْهَمٌ، وَلِذَا كَانَ كِنَايَةً لِاحْتِمَالِ اخْتَارِي مَا شِئْت مِنْ مَالٍ أَوْ حَالٍ أَوْ مَسْكَنٍ وَغَيْرِهِ.
وَأَيْضًا الْإِجْمَاعُ إنَّمَا هُوَ فِي الْمُفَسَّرِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَالْإِيقَاعُ بِالِاخْتِيَارِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ فِيهِ، وَلَوْلَا هَذَا لَأَمْكَنَ الِاكْتِفَاءُ بِتَفْسِيرِ الْقَرِينَةِ الْحَالِيَّةِ دُونَ الْمَقَالِيَّةِ بَعْدَ أَنْ نَوَى الزَّوْجُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ بِهِ وَتَصَادَقَا عَلَيْهِ لَكِنَّهُ بَاطِلٌ، وَإِلَّا لَوَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ مَعَ لَفْظٍ لَا يَصْلُحُ لَهُ أَصْلًا كَاسْقِنِي، وَبِهَذَا يَبْطُلُ اكْتِفَاءُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ بِالنِّيَّةِ مَعَ الْقَرِينَةِ عَنْ ذِكْرِ النَّفْسِ وَنَحْوِهِ، وَلَوْ قَالَ: اخْتَارِي فَقَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي لَا بَلْ زَوْجِي يَقَعُ، وَلَوْ قَدَّمَتْ زَوْجِي لَا يَقَعُ.
وَالْوَجْهُ عَدَمُ صِحَّةِ الرُّجُوعِ فِي الْأَوَّلِ وَخُرُوجِ الْأَمْرِ مِنْ يَدِهَا فِي الثَّانِي، وَلَوْ قَالَتْ: اخْتَرْت نَفْسِي أَوْ زَوْجِي لَمْ يَقَعْ، وَلَوْ عَطَفَتْ بِالْوَاوِ فَالِاعْتِبَارُ لِلْمُقَدَّمِ وَيَلْغُو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute