للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهَذَا هُوَ مَحْمَلُهُ (فَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْدَمَا وَطِئَهَا حَلَّتْ لِلْأَوَّلِ) لِوُجُودِ الدُّخُولِ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ إذْ النِّكَاحُ لَا يَبْطُلُ بِالشَّرْطِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُفْسِدُ النِّكَاحَ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُؤَقَّتِ فِيهِ وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِفَسَادِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ النِّكَاحُ لِمَا بَيَّنَّا، وَلَا يُحِلُّهَا عَلَى الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ مَا أَخَّرَهُ الشَّرْعُ فَيُجَازَى بِمَنْعِ مَقْصُودِهِ كَمَا فِي قَتْلِ الْمُوَرِّثِ

يَرُدُّ ذَلِكَ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مُعَنْعَنًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ عَنْ اللَّيْثِ بِهِ، وَلِذَلِكَ حَسَّنَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فَإِنَّهُ رَوَاهُ مِنْ جِهَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ، وَإِلَّا فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ لِأَنَّ شَيْخَ ابْنِ مَاجَهْ يَحْيَى بْنُ عُثْمَانَ ذَكَرَهُ ابْنُ يُونُسَ فِي تَارِيخِ الْمِصْرِيِّينَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِعِلْمٍ وَضَبْطٍ، وَأَبُوهُ عُثْمَانُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ ثِقَةٌ، أَخْرَجَ لَهُ الْبُخَارِيُّ، وَمِشْرَحٌ، وَثَّقَهُ ابْنُ الْقَطَّانِ، وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ مَعِينٍ أَنَّهُ وَثَّقَهُ.

وَالْعِلَّةُ الَّتِي ذَكَرَهَا ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ لَمْ يُعَرِّجْ عَلَيْهَا ابْنُ الْقَطَّانِ وَلَا غَيْرُهُ.

قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فِي التَّخْرِيجِ: الْمُصَنِّفُ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى كَرَاهَةِ النِّكَاحِ الْمَشْرُوطِ بِهِ التَّحْلِيلُ وَظَاهِرُهُ التَّحْرِيمُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُقَالُ لَمَّا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا دَلَّ عَلَى صِحَّةِ النِّكَاحِ لِأَنَّ الْمُحَلِّلَ هُوَ الْمُثَبِّتُ لِلْحِلِّ فَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَمَا سَمَّاهُ مُحَلِّلًا انْتَهَى.

وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ ثُمَّ جَوَابُهُ.

أَمَّا الِاعْتِرَاضُ فَمَنْشَؤُهُ عَدَمُ مَعْرِفَةِ اصْطِلَاحِ أَصْحَابِنَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَا يُطْلِقُونَ اسْمَ الْحَرَامِ إلَّا عَلَى مَنْعٍ ثَبَتَ بِقَطْعِيٍّ، فَإِذَا ثَبَتَ بِظَنِّيٍّ سَمَّوْهُ مَكْرُوهًا وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْعِقَابِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ فَكَلَامُهُ فِيهِ يَقْتَضِي تَلَازُمَ الْحُرْمَةِ وَالْفَسَادِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَقَدْ يُحْكَمُ بِالصِّحَّةِ مَعَ لُزُومِ الْإِثْمِ فِي الْعِبَادَاتِ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهَا خُصُوصًا عَلَى مَا يُعْطَى كَلَامُهُ مِنْ تَسْمِيَةِ الْمَنْعِ الثَّابِتِ بِظَنِّيٍّ حَرَامًا (قَوْلُهُ وَهَذَا) أَيْ الْمُحَلِّلَ الشَّارِطَ هُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّ عُمُومَهُ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ مُطْلَقًا غَيْرُ مُرَادٍ إجْمَاعًا وَإِلَّا شَمِلَ الْمُتَزَوِّجَ تَزْوِيجَ رَغْبَةٍ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُوَقِّتِ) وَالْمُوَقِّتُ فِي مَعْنَى الْمُتْعَةِ، أَوْ هُوَ الْمُتْعَةُ عَلَى مَا حَقَّقْنَاهُ فَيَفْسُدُ فَلَا يُحِلُّهَا وَتَسْمِيَتُهُ مُحَلِّلًا لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِلَّ لِجَوَازِ كَوْنِهِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ شَارِطًا أَوْ طَالِبًا لِلْحِلِّ وَلِأَنَّهُ مَلْعُونٌ، وَعَقْدُ النِّكَاحِ نِعْمَةٌ، وَلَوْ كَانَ صَحِيحًا لَمْ يُلْعَنْ عَلَيْهِ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا فِي مُسْتَدْرَكِ الْحَاكِمِ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا أَخٌ لَهُ لِيُحِلَّهَا لِأَخِيهِ هَلْ تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا إلَّا نِكَاحَ رَغْبَةٍ، كُنَّا نَعُدُّ هَذَا سِفَاحًا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ وَصَحَّحَهُ.

قُلْنَا: كَوْنُهُ فِي مَعْنَى الْمُوَقِّتِ مَمْنُوعٌ، إذْ تَعْيِينُ نِهَايَتِهِ الْوَطْءُ لَا يَسْتَلْزِمُ تَعْيِينَ وَقْتِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ قَدْ يَكُونُ فِي لَيْلَةِ الْخَلْوَةِ أَوْ بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ فَلَا تَوْقِيتَ صَرِيحٌ وَلَا مَعْنَى، وَحَقِيقَةُ الْمُحَلِّلِ مُثْبِتُ الْحِلِّ لَا مَنْ قَامَ بِهِ مُجَرَّدَ طَلَبِهِ، وَاللَّعْنَةُ عَلَى مُبَاشَرَتِهِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ، وَقَوْلُ ابْنِ عُمَرَ لَمْ يَرْفَعْهُ حَتَّى يُعَارِضَ هَذَا الْحَدِيثَ.

وَقَوْلُهُ كُنَّا نَعُدُّهُ سِفَاحًا لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَحْكُمُونَ بِحِلِّهَا لِلْأَوَّلِ لِصِدْقِهِ مَعَ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَ) حَاصِلُهُ أَنَّ الْمُفْسِدَ وَهُوَ التَّوْقِيتُ مُنْتَفٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِتَوْقِيتٍ، وَالْغَرَضُ وَهُوَ حِلُّهَا لَهُ يَتَخَلَّفُ لِأَنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ بِطَرِيقٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>