للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ فَظَهَرَ أَنَّهُ خَمْرٌ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَالًا فَصَارَ مَغْرُورًا، وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ حَيْثُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ مُتَقَوِّمٌ وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا،

حَتَّى بَطَلَ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مُوقِعًا بِلَفْظِ الْخُلْعِ أَوْ الطَّلَاقِ، فَفِي الْخُلْعِ يَقَعُ بَائِنًا، وَفِي الطَّلَاقِ يَقَعُ رَجْعِيًّا إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَهِيَ دُونَ الثَّلَاثِ، وَتَرَكَ الْمُصَنِّفُ التَّقْيِيدَ بِهِمَا لِاشْتِهَارِ الْحَالِ فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَطَلَاقِ غَيْرِ الْمَدْخُولِ بِهَا بِحَيْثُ لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ، وَفِيهِمَا مَعًا لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِلزَّوْجِ.

وَجْهُ الْحُكْمِ الشَّامِلِ أَنَّ مِلْكَ النِّكَاحِ فِي الْخُرُوجِ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَلِذَا لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ فِي الطَّلَاقِ إجْمَاعًا وَإِبَاحَةُ الِافْتِدَاءِ لَيْسَ وَضْعًا لِتَقَوُّمِهِ شَرْعًا وَإِلَّا لَتَعَيَّنَتْ الْقِيمَةُ وَلَوْ بِالنَّوْعِ كَمَهْرِ الْمِثْلِ، فَإِذَا سَمَّى غَيْرَ الْمُتَقَوِّمِ فِي غَيْرِ الْمُتَقَوِّمِ كَانَ رَاضِيًا بِسُقُوطِهِ مَجَّانًا.

وَجْهُ الِافْتِرَاقِ أَنَّ لَفْظَ الْخُلْعِ مِنْ الْكِنَايَاتِ الَّتِي لَهَا دَلَالَةٌ عَلَى قَطْعِ الْوَصْلَةِ لِأَنَّهُ مِنْ خَلَعَ الْخُفَّ وَالنَّعْلَ وَالْقَمِيصَ، وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا، كَمَا أَفَادَ حَقِيقَتَهُ، مِنْهَا قَطْعُ الْوَصْلَةِ كَانَ الْوَاقِعُ بِهِ بَائِنًا وَمَا لَا فَرَجْعِيٌّ، وَلَفْظُ الْخُلْعِ مِنْ الْأَوَّلِ، بِخِلَافِ لَفْظِ اعْتَدِّي وَاسْتَبْرِئِي رَحِمَك وَأَنْتِ وَاحِدَةٌ عَلَى مَا سَلَف فَإِنَّمَا يَقَعُ بِهَا رَجْعِيٌّ، وَلَفْظُ الطَّلَاقِ صَرِيحٌ لَا يَقْتَضِي الْبَيْنُونَةَ، وَلَوْلَا ثُبُوتُ هَذَا الِاعْتِبَارِ عِنْدَنَا فِي الْكِنَايَاتِ لَقُلْنَا بِالرُّجْعَى فِيهَا كَقَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ، وَالشَّافِعِيِّ يُخَالِفُنَا فِي هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي الْكِنَايَاتِ عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِيهَا، وَقَالَ هُنَا إنَّ الْوَاقِعَ بَائِنٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ يُوجِبُ فِيهِ رَدُّ مَهْرِ مِثْلِهَا قِيَاسًا عَلَى بُطْلَانِ الْعِوَضِ فِي الْمَهْرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ مَعَ الْفَارِقِ، فَإِنَّ الشَّارِعَ جَعَلَ الْبِضْعَ مُتَقَوِّمًا حَالَةَ الدُّخُولِ، حَتَّى لَوْ سَكَتَا عَنْ الْمَهْرِ لَزِمَتْ قِيمَتُهُ وَهِيَ مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ مُتَقَوِّمًا حَالَةَ الْخُرُوجِ لَمَا بَيَّنَّا فَلَمْ يَلْزَمْ مِنْ بُطْلَانِ الْعِوَضِ لُزُومُ الْقِيمَةِ.

وَفِي كُتُبِ الْمَالِكِيَّةِ: لَوْ خَلَعَهَا عَلَى حَلَالٍ وَحَرَامٍ فَخَمْرٌ وَمَالٌ صَحَّ وَلَا يَجِبُ لَهُ إلَّا الْمَالُ قِيلَ هُوَ قِيَاسُ قَوْلِ أَصْحَابِنَا وَهُوَ صَحِيحٌ. وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ: خَالَعَهَا عَلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَلْزَمُهَا شَيْءٌ لِأَنَّهُ مَالٌ لَا تَسْتَحِقُّهُ بِحَالٍ، وَعُرِفَ مِمَّا قَرَّرْنَا أَنَّ اقْتِصَارَهُ عَلَى قَوْلِهِ لِأَنَّهُ مِنْ الْكِنَايَاتِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْبَيْنُونَةَ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَعَ عَلَى خَلٍّ بِعَيْنِهِ لِأَنَّهَا سَمَّتْ مَا هُوَ مَالٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَيَصِيرُ مَغْرُورًا) فَيَرْجِعُ عَلَيْهَا؛ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ تُرَدُّ مَهْرَهَا، وَعِنْدَهُمَا مِثْلُ كَيْلِ الْخَمْرِ خَلًّا وَسَطًا كَمَا فِي الصَّدَاقِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْمَهْرِ، وَلَوْ عَلِمَ الزَّوْجُ بِكَوْنِهِ خَمْرًا لَا شَيْءَ لَهُ.

(وَقَوْلُهُ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَاتَبَ أَوْ أَعْتَقَ عَلَى خَمْرٍ) أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مَالٌ لَكِنَّهُ سَاقِطُ التَّقَوُّمِ. وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا لَوْ كَاتَبَ عَلَى مَيْتَةٍ أَوْ دَمٍ فَإِنَّ الْكِتَابَةَ حِينَئِذٍ بَاطِلَةٌ، حَتَّى لَوْ أَدَّى الْمَيِّتَةَ أَوْ الدَّمَ لَا يَعْتِقُ وَهَاهُنَا فَاسِدَةٌ، فَلَوْ أَدَّى الْخَمْرَ عَتَقَ وَعَلَيْهِ قِيمَةُ نَفْسِهِ (لِأَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى فِيهِ مُتَقَوِّمٌ) وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ اشْتِرَاطُ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ كَثَمَنِهِ ابْتِدَاءً (وَمَا رَضِيَ بِزَوَالِهِ مَجَّانًا) لِأَنَّهُ لَوْ رَضِيَ لَنَجِزَ عِتْقُهُ ابْتِدَاءً فَتَسْمِيَةُ مَالِ غَيْرِ مُتَقَوِّمٍ فِي الْمُتَقَوِّمِ لَا يَسْتَلْزِمُ رِضَاهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>