إلَى عِدَّةِ الْحَرَائِرِ) لِزَوَالِ النِّكَاحِ بِالْبَيْنُونَةِ أَوْ الْمَوْتِ.
(وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا وَعَلَيْهَا أَنْ تَسْتَأْنِفَ الْعِدَّةَ بِالْحَيْضِ) وَمَعْنَاهُ إذَا رَأَتْ الدَّمَ عَلَى الْعَادَةِ لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ، فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا وَهَذَا لِأَنَّ شَرْطَ الْخَلْفِيَّةِ تَحَقُّقُ الْيَأْسِ وَذَلِكَ بِاسْتِدَامَةِ الْعَجْزِ إلَى الْمَمَاتِ كَالْفِدْيَةِ
الرَّجْعِيِّ، فَلَمَّا أَعْتَقَتْ وَالْحَالُ قِيَامُهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَمُلَ مِلْكُ الزَّوْجِ عَلَيْهَا، وَالْعِدَّةُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا بِعِدَّةِ الْحَرَائِرِ ثَلَاثَ حِيَضٍ، كَذَا فِي الْكَافِي.
وَوَضَعَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَفْظَ الطَّلَاقِ مَكَانَ لَفْظِ الْعِدَّةِ فَقَالَ: وَالطَّلَاقُ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ يُوجِبُ عِدَّةَ الْحَرَائِرِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَمْ يَحْدُثْ فِي الْمِلْكِ الْكَامِلِ بَلْ طَرَأَ كَمَالُ الْمِلْكِ بَعْدَهُ بِالْعِتْقِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ لِبَقَائِهِ الْحُكْمِيِّ حُكْمُ ابْتِدَائِهِ وَهُوَ مُمْكِنٌ لَوْ كَانَتْ إجْمَاعِيَّةً لَكِنْ هِيَ خِلَافِيَّةٌ، وَبِقَوْلِنَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْأَظْهَرِ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَالْحَسَنُ وَالشَّعْبِيُّ وَالضَّحَّاكُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ: لَا تُكْمِلُ عِدَّتَهَا فِي الرَّجْعِيِّ وَالْبَائِنِ.
وَعَنْ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَتَادَةَ تُكْمِلُ فَلَا بُدَّ مِنْ إثْبَاتِ اعْتِبَارِ بَقَائِهِ كَابْتِدَائِهِ. وَجْهُ قَوْلِ مَالِكٍ أَنَّ بِمُجَرَّدِ الطَّلَاقِ تَمَّ سَبَبُ عِدَّةِ الْإِمَاءِ، وَشَرْطُهَا وَهُوَ وُرُودُ الطَّلَاقِ عَلَى أَمَةٍ عَقِيبَ نِكَاحٍ مُتَأَكِّدٍ، فَلَوْ وَجَبَتْ عِدَّةُ الْحَرَائِرِ كَانَ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى السَّبَبِ. وَتَحْقِيقُ الْجَوَابِ مَنَعَ تَأْثِيرَ سَبَبِ الْعِدَّةِ فِي كَمِّيَّةٍ مَخْصُوصَةٍ، فَالنِّكَاحُ سَبَبٌ لِلْعِدَّةِ عِنْدَ الطَّلَاقِ فَقَطْ لَا بِقَيْدِ كَمِّيَّةٍ خَاصَّةٍ، إذْ لَا يُعْقَلُ تَأْثِيرُ النِّكَاحِ فِي خُصُوصِ كَمِّيَّةٍ بَلْ فِي مُطْلَقِ التَّرَبُّصِ تَعَرُّفًا وَتَأَسُّفًا، وَتَقْدِيرُ الْكَمِّيَّةِ لِحِكْمَةٍ أُخْرَى سَنَذْكُرُهَا فِي عِدَّةِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ، وَحِينَئِذٍ سَلِمَ الْوَجْهُ الْمَذْكُورُ لِلِانْتِقَالِ عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ صَوَّرَ الِانْتِقَالَ إلَى جَمِيعِ كَمِّيَّاتِ الْعِدَّةِ الْبَسِيطَةِ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ. صُورَتُهَا: أَمَةٌ صَغِيرَةٌ مَنْكُوحَةٌ طَلُقَتْ رَجْعِيًّا فَعِدَّتُهَا شَهْرٌ وَنِصْفٌ، فَلَوْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى حَيْضَتَيْنِ. فَلَوْ أَعْتَقَتْ قَبْلَ مُضِيِّهِمَا صَارَتْ ثَلَاثَ حِيَضٍ، فَلَوْ مَاتَ زَوْجُهَا قَبْلَ انْقِضَائِهَا انْتَقَلَتْ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرٍ.
(قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ آيِسَةً فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ) يُمْكِنُ كَوْنُ كَانَ تَامَّةً: يَعْنِي إذَا وُجِدَتْ امْرَأَةٌ آيِسَةٌ فَاعْتَدَّتْ بِالشُّهُورِ.
(قَوْلُهُ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ) بَعْدَ انْقِضَاءِ الْأَشْهُرِ أَوْ فِي خِلَالِهَا (اُنْتُقِضَ مَا مَضَى مِنْ عِدَّتِهَا) وَظَهَرَ فَسَادُ نِكَاحِهَا الْكَائِنِ بَعْدَ تِلْكَ الْعِدَّةِ، حَتَّى لَوْ كَانَتْ حَبِلَتْ مِنْ الزَّوْجِ الْآخَرِ اُنْتُقِضَتْ عِدَّتُهَا وَفَسَدَ نِكَاحُهَا صَرَّحُوا بِهِ، وَيَنْدَرِجُ فِي إطْلَاقِ الِانْتِقَاضِ وَهُوَ لَازِمٌ لِلتَّعْلِيلِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّ عَوْدَهَا يُبْطِلُ الْإِيَاسَ هُوَ الصَّحِيحُ فَظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ خَلْفًا) وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ شَرْطُ الْخَلْفِيَّةِ: أَيْ خَلْفِيَّةِ الِاعْتِدَادِ بِالْأَشْهُرِ عَنْ الْحِيَضِ تَحَقَّقَ الْإِيَاسُ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ﴾ الْآيَةَ، وَالْإِيَاسُ لَا يَتَحَقَّقُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute