للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجَبَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوْتِ زَوْجٍ وَفِي بُعْدِهَا إلَى مَمَاتِهِ وَقَدْ أَوْحَشَهَا بِالْإِبَانَةِ فَلَا تَأْسَفْ بِفَوْتِهِ. وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ». وَقَالَ «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَلِأَنَّهُ يَجِبُ إظْهَارًا لِلتَّأَسُّفِ

لِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا فَإِنَّهُ مُوحِشُهَا وَخُلْعِهِ لِأَنَّهَا رَاغِبَةٌ فِيهِ لِمَكَانِ سُؤَالِهَا.

قُلْنَا: فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ نَصٌّ، وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْهُ «أَنَّهُ نَهَى الْمُعْتَدَّةَ أَنْ تَخْتَضِبَ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ: الْحِنَّاءُ طِيبٌ» ذَكَرَهُ السُّرُوجِيُّ حَدِيثًا وَاحِدًا وَعَزَاهُ لِلنَّسَائِيِّ هَكَذَا، وَلَفْظُهُ: «نَهَى الْمُعْتَدَّةَ عَنْ الْكُحْلِ وَالدُّهْنِ وَالْخِضَابِ بِالْحِنَّاءِ وَقَالَ الْحِنَّاءُ طِيبٌ» وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِهِ. وَيَجُوزُ كَوْنُهُ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ. وَأَمَّا جَعْلُهُ حَدِيثَيْنِ حَدِيثَ «الْحِنَّاءُ طِيبٌ» الْمُتَقَدِّمَ، وَحَدِيثَ أَبِي دَاوُد عَنْ أُمِّ حَكِيمٍ بِنْتِ أُسَيْدٍ عَنْ أُمِّهَا عَنْ مَوْلَاةٍ لَهَا «عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ قَالَتْ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا فِي عِدَّتِي مِنْ وَفَاةِ أَبِي سَلَمَةَ: لَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ، قُلْتُ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَمْتَشِطُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: بِالسِّدْرِ تُغَلِّفِينَ بِهِ رَأْسَكِ» فَمَعَ الطَّعْنِ فِي إسْنَادِهِ لَا يُفِيدُ الْمَقْصُودَ فَإِنَّهُ فِي مُعْتَدَّةٍ عَنْ وَفَاةٍ.

وَلَوْ سَلِمَ ثَبَتَ الْمَطْلُوبُ بِالْقِيَاسِ عَلَى عِدَّةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا بِجَامِعِ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ، وَبِتَقْدِيرِ تَسْلِيمِ أَنَّ مَا عَيَّنَّهُ الشَّافِعِيُّ مُنَاسِبٌ مُعْتَبَرٌ فِي مَحَلِّ النَّصِّ وَهُوَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَكِنَّهُ لَيْسَ هُوَ الْمُنَاسِبُ الْمُعْتَبَرُ عَلَى الْحَصْرِ بَلْ فِي الْمَحَلِّ أَيْضًا إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ الَّتِي هِيَ مِنْ أَسْبَابِ النَّجَاةِ فِي الْمَعَادِ وَالدُّنْيَا فَإِنَّهُ ضَابِطٌ لِلْحِكْمَةِ الْمَقْصُودَةِ لِفَوَاتِ الزَّوْجِ، وَكَوْنُ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ مِنْ مُهَيِّجَاتِ شَهْوَةِ الْجِمَاعِ وَهِيَ مَمْنُوعَةٌ عَنْ النِّكَاحِ شَرْعًا فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ فَتَمْتَنِعُ دَوَاعِيهِ دَفْعًا لِمَا يُدَافِعُ عَنْ أَدَاءِ الْوَاجِبِ، وَقَدْ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ وَفِيهِ وَجْهَانِ إلَى آخِرِهِ، لَكِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ عَلَى أَنَّهُ عِلَّةٌ أُخْرَى، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّهُ حِكْمَةٌ لِأَنَّ الْمُنْضَبِطَ فَوَاتُ مَا قُلْنَاهُ، بِخِلَافِ مَا هُوَ دَوَاعِيهِ، وَكُلٌّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ يَسْتَقِلُّ بِالْحُكْمِ، فَإِذَا وُجِدَ فِي مَحَلٍّ ثَبَتَ مَعَهُ ذَلِكَ الْحُكْمُ، فَفِي الْمَبْتُوتَةِ إنْ فُقِدَ التَّأَسُّفُ عَلَى الزَّوْجِ فَالْآخَرُ وَهُوَ إظْهَارُ التَّأَسُّفِ عَلَى فَوَاتِ نِعْمَةِ النِّكَاحِ مَوْجُودٌ، وَلَوْ تَمَّ مَا ذُكِرَ مِنْ إظْهَارِ التَّأَسُّفِ مُطْلَقًا لَيْسَ عِلَّةً؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ فَلَا يَكُونُ الْإِحْدَادُ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا مَنُوطٌ بِهِ لَزِمَ كَوْنُ وُجُوبِهِ تَبَعًا لِلْعِدَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ مَعْلُولًا بِالْآخَرِ فَقَطْ، لَكِنْ مُنِعَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿لِكَيْلا تَأْسَوْا﴾

<<  <  ج: ص:  >  >>