للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَوْتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا، وَإِنْ عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ، بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجُ يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ كَرْهًا.

(وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا فَلَا نَفَقَةَ لَهَا) لِأَنَّ امْتِنَاعَ الِاسْتِمْتَاعِ لِمَعْنًى فِيهَا، وَالِاحْتِبَاسُ الْمُوجِبُ مَا يَكُونُ وَسِيلَةً إلَى مَقْصُودٍ مُسْتَحَقٌّ بِالنِّكَاحِ وَلَمْ يُوجَدْ، بِخِلَافِ الْمَرِيضَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ.

يُفِيدُ أَنَّ النُّشُوزَ الْمُسْتَعْقِبَ لِسُقُوطِ النَّفَقَةِ مَأْخُوذٌ فِيهِ خُرُوجُهَا عَنْ مَنْزِلِهِ، وَالتَّحْرِيرُ أَنَّ الْمَأْخُوذَ فِيهِ عَدَمُ مُوَافَقَتِهَا عَلَى الْمَجِيءِ إلَى الْمَنْزِلِ سَوَاءٌ كَانَ بَعْدَ خُرُوجِهَا أَوْ امْتَنَعَتْ عَنْ أَنْ تَجِيءَ إلَى مَنْزِلِهِ ابْتِدَاءً بَعْدَ إيفَائِهِ مُعَجَّلَ مَهْرِهَا أَوْ عَدَمِ تَمْكِينِهَا إيَّاهُ مِنْ الدُّخُولِ فِي مَنْزِلِهَا الْمَمْلُوكِ لَهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُ مَعَهُ فِيهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُ أَنْ يُحَوِّلَهَا إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ يَكْتَرِيَ لَهَا مَنْزِلًا، فَإِنْ كَانَتْ سَأَلَتْهُ فِي ذَلِكَ لِتَنْتَفِعَ بِمِلْكِهَا فَأَبَى فَمَنَعَتْهُ الدُّخُولَ كَانَ لَهَا النَّفَقَةُ.

وَفِي الْفَتَاوَى: وَقَالَتْ إنَّمَا خَرَجْت لِأَنَّك سَاكِنٌ فِي أَرْضٍ مَغْصُوبَةٍ لَا تَكُونُ نَاشِزَةً. وَفِي الْفَتَاوَى لِلنَّسَفِيِّ: لَوْ كَانَ بِسَمَرْقَنْدَ وَهِيَ بِنَسَفَ فَبَعَثَ إلَيْهَا أَجْنَبِيًّا لِيَحْمِلَهَا إلَيْهِ فَأَبَتْ لِعَدَمِ الْمَحْرَمِ لَهَا النَّفَقَةُ.

(قَوْلُهُ لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا) أَيْ لَا تُوطَأُ. وَصَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الِاسْتِمْتَاعِ الْوَطْءُ، وَبِهِ قَيَّدَ الْحَاكِمُ قَالَ: لَا نَفَقَةَ لِلصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ فَلَا نَفَقَةَ لَهَا إلَى أَنْ تَصِيرَ إلَى حَالَةٍ تَحْتَمِلُ الْوَطْءَ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ أَوْ الْأَبِ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا، فَقِيلَ أَقَلُّهَا سَبْعُ سِنِينَ، وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ: اخْتِيَارُ مَشَايِخِنَا تِسْعُ سِنِينَ. وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ، فَإِنَّ احْتِمَالَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْبِنْيَةِ، وَعَلَى قَوْلِنَا جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالشَّافِعِيُّ فِي قَوْلِهِ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ. وَفِي قَوْلٍ لَهُ: تَجِبُ وَإِنْ كَانَتْ فِي الْمَهْدِ لِإِطْلَاقِ النَّصِّ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالظَّاهِرِيَّةِ. قُلْنَا: أَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ﴾ فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ لِلْوَالِدَاتِ فَلَا يَتَنَاوَلُ الصَّغَائِرُ. وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى ﴿لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ﴾ فَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِالْإِنْفَاقِ: يَعْنِي عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهَا، فَثُبُوتُ مَنْ يَسْتَحِقُّهَا خَارِجٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ صَرَّحَ بِالزَّوْجَاتِ فِيهَا كَانَ الْمُرَادُ بَعْضَهُنَّ، أَلَا تَرَى أَنْ لَيْسَ كُلُّ زَوْجَةٍ تَسْتَحِقُّهَا كَالنَّاشِزَةِ فَيَعْمَلُ فِي تَعْيِينِ ذَلِكَ الْبَعْضِ بِالدَّلِيلِ الَّذِي يُعَيِّنُهُ.

وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ فَقَوْلُهُ فِيهِ «وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» فَمَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِيهِ النِّسَاءُ اللَّاتِي حَلَّتْ فُرُوجُهُنَّ، وَنَقُولُ: لَا يَحِلُّ فَرْجُ مَنْ لَا تُطِيقُ الْجِمَاعَ فَإِنَّهُ إهْلَاكٌ أَوْ طَرِيقُهُ. وَلَوْ سَلَّمَ فَالْإِنْفَاقُ عَلَى أَنَّ عُمُومَهُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّ النَّاشِزَةَ لَا نَفَقَةَ لَهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَاكَ بِالْمَعْنَى وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ فِي الْوَجْهِ.

وَحَاصِلُهُ أَنَّ الزَّوْجَةَ أَجْنَبِيَّةٌ، فَاسْتِحْقَاقُهَا النَّفَقَةَ إمَّا أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ النَّوْعِ مِنْ الْمِلْكِ الْوَارِدِ عَلَيْهَا عَلَى قُصُورِهِ إلْحَاقًا لِلْمَالِكِ الْقَاصِرِ بِالْمِلْكِ الْكَامِلِ فِي الْمَرْقُوقَةِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>