للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَهَا النَّفَقَةُ لِأَنَّهَا عِوَضٌ مِنْ الْمِلْكِ عِنْدَهُ كَمَا فِي الْمَمْلُوكَةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلَنَا أَنَّ الْمَهْرَ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ وَلَا يَجْتَمِعُ الْعِوَضَانِ عَنْ مُعَوَّضٍ وَاحِدٍ فَلَهَا الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ.

أَوْلِاحْتِبَاسِهَا لِاسْتِيفَاءِ الْمَنْفَعَةِ الْمَقْصُودَةِ مِنْ التَّزْوِيجِ: أَعْنِي الْوَطْءَ أَوْ دَوَاعِيَهُ، أَوْ لِاحْتِبَاسِهَا مُطْلَقًا لَا يَجُوزُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ إيجَابَهَا بِسَبَبِ مِلْكٍ كَامِلٍ لَا يَسْتَلْزِمُ إيجَابَهَا بِسَبَبِ مِلْكٍ نَاقِصٍ، إذْ لَيْسَ هُوَ فِي مَعْنَاهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ إيجَابُهَا فِي الْكَامِلِ لِمَعْنًى تَضَمَّنَهُ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّاقِصِ فَتَجِبُ فِيهِ لِذَلِكَ الْمُشْتَرِكُ لَا لِلْمِلْكِ، وَلَوْ عَيَّنَ ذَلِكَ الْمُشْتَرِكَ لَكَانَ احْتِبَاسُهَا عَلَى أَحَدِ الْأَوْجُهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَسَنُورِدُهَا وَجْهًا وَجْهًا، وَأَيْضًا عِوَضُ الْمِلْكِ هُنَا الْمَهْرُ فَلَا تَكُونُ النَّفَقَةُ أَيْضًا عِوَضًا وَإِلَّا اجْتَمَعَ عَنْ الْمُعَوَّضِ الْوَاحِدِ عِوَضَانِ، وَلَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْعِوَضِ الْوَاحِدِ مَجْمُوعَ الْمَهْرِ وَالنَّفَقَةِ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَلْفٍ وَعَبْدٍ لِأَنَّ الْمِلْكَ مُعَوِّضٌ يَثْبُتُ جُمْلَةً وَهُوَ تَمَامُ الْعِلَّةِ لِعِوَضِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ عِوَضِهِ يَثْبُتُ أَيْضًا كَذَلِكَ وَذَلِكَ الْمَهْرُ دُونَ النَّفَقَةِ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَلَوْ كَانَتْ جُزْءًا مِنْ الْعِوَضِ لَزِمَ جَهَالَةً أَيْ الْعِوَضَيْنِ فَإِنَّمَا تَجِبُ بِحَادِثٍ شَيْئًا فَشَيْئًا وَهُوَ الِاحْتِبَاسُ نَظَرًا إلَى بَقَائِهِ وَهَذَا طَرِيقُ الْمُصَنِّفِ، وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ يَقُولَ النَّفَقَةُ فِي الْمَرْقُوقَةِ أَيْضًا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ لِمَا هُوَ مِنْ مَقَاصِدِ ذَلِكَ الْمِلْكِ مِنْ الِاسْتِخْدَامِ الَّذِي مِنْ جُمْلَتِهِ الْوَطْءُ إنْ أَمْكَنَ لَا لِلْمِلْكِ وَهَذَا حَقٌّ؟ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَا نَفَقَةَ لِلْآبِقِ مَعَ قِيَامِ الْمِلْكِ وَلَا يَجُوزُ الْأَخِيرُ لِانْتِقَاضِهِ بِالنَّاشِزَةِ، وَأَمَّا الثَّانِي فَهُوَ الْعِلَّةُ لِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي حَقِّ الْقَاضِي وَالْمُفْتِي وَالْعَامِلِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَمَنْ تَقَدَّمَ، وَإِنَّمَا لَمْ نَقُلْ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي عَقِيبَ إبْطَالِ الْأَقْسَامِ لِئَلَّا يَكُونَ مُبَرَّأً، فَلَمَّا أَثْبَتْنَا الْمُنَاسَبَةَ بِظُهُورِ الْأَثَرِ لَمْ يَبْقَ إلَّا صُورَةُ السَّبْرِ وَإِنَّمَا هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ إثْبَاتٌ عَلَيْهِ مَا عَيَّنَّاهُ بِظُهُورِ أَثَرِهِ وَإِبْطَالِ مَا عَيَّنُوهُ.

هَذَا وَقَدْ نُقِضَ بِالرَّتْقَاءِ وَالْقَرْنَاءِ وَاَلَّتِي أَصَابَهَا مَرَضٌ يَمْنَعُ الْجِمَاعَ وَالْكَبِيرَةِ الَّتِي لَا يُمْكِنُ وَطْؤُهَا لِكِبَرِهَا فَإِنَّ لَهُنَّ النَّفَقَةَ وَلَا احْتِبَاسَ لِلْوَطْءِ.

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ احْتِبَاسٌ يَنْتَفِعُ بِهِ الزَّوْجُ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْجِمَاعُ أَوْ الدَّوَاعِي وَالِانْتِفَاعُ مِنْ حَيْثُ الدَّوَاعِي مَوْجُودٌ فِي هَؤُلَاءِ بِأَنْ يُجَامِعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، بِخِلَافِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لَا يُجَامِعُ مِثْلَهَا فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً أَصْلًا فَلَا تُجَامَعُ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ حَتَّى إنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَسْتَنْكِرُ جِمَاعَ الرَّضِيعَةِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ، وَلَا يُسْتَنْكَرُ ذَلِكَ فِي الْعَجُوزِ وَالْمَرِيضَةِ. قَالُوا: فَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً مُشْتَهَاةً يُمْكِنُ جِمَاعُهَا فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ تَجِبُ النَّفَقَةُ، كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ، وَهَذَا عَلَى مَنْ قَيَّدَ الصَّغِيرَةَ بِكَوْنِهَا لَا تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فَرْضُ مُحَالٍ، لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَكُنْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ لَا تَكُونُ مُشْتَهَاةً لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. نَعَمْ هُنَا شَيْءٌ وَهُوَ أَنَّ قَوْلَنَا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا هَلْ مَعْنَاهُ لَا تُشْتَهَى لِلْوَطْءِ أَوْ لَا تُطِيقُ الْوَطْءَ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَالْمُلَازَمَةُ حَقُّهُ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَإِنْ ثَبَتَ التَّلَازُمُ بَيْنَ عَدَمِ الْإِطَاقَةِ وَعَدَمِ الِاشْتِهَاءِ فَكَذَلِكَ وَإِلَّا فَهُوَ فَرْضٌ صَحِيحٌ. وَالظَّاهِرُ التَّلَازُمُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ ضَمُّ الْإِطَاقَةِ مُطْلَقًا وَلَا مِنْ وَاحِدٍ مِمَّنْ يُطِيقُ الْوَطْءَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مَنْ كَانَتْ بِحَيْثُ تُشْتَهَى لِلْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ فَهِيَ مُطِيقَةٌ لِلْجِمَاعِ فِي الْجُمْلَةِ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْهُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>