للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَقَالَا: لَيْسَ لَهُ إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ: أَحَدُهُمَا: تَجْزِيءُ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَالثَّانِي: أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ سِعَايَةَ الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ. لَهُمَا فِي الثَّانِي قَوْلُهُ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ نَصِيبَهُ، إنْ كَانَ غَنِيًّا ضَمِنَ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا سَعَى فِي حِصَّةِ الْآخَرِ،

السَّاكِتِ عَلَى مِلْكِهِ وَالْوَلَاءُ يَكُونُ لَهُ فَيَخْلُفُهُ فِي ذَلِكَ الذُّكُورُ مِنْ أَوْلَادِهِ دُونَ الْإِنَاثِ إذْ الْوَلَاءُ لَا يُورَثُ، وَإِنْ اخْتَارَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ السِّعَايَةَ وَبَعْضُهُمْ الضَّمَانَ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا اخْتَارَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِيمَا وَرِثَ قَائِمٌ مَقَامَ الْمَيِّتِ.

وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعُوا عَلَى التَّضْمِينِ أَوْ الِاسْتِسْعَاءِ. قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ صَارَ كَالْمُكَاتَبِ لَا يَمْلِكُ بِالْإِرْثِ، فَكَذَلِكَ هُمْ لَا يَمْلِكُونَ نَصِيبَ السَّاكِتِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ فَصْلُ الْوَلَاءِ الَّذِي تَقَدَّمَ لَا يَثْبُتُ لَهُمْ بِالْإِعْتَاقِ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّهُمْ خُلَفَاءُ الْمُوَرِّثِ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، وَلَيْسَ لِلْمُوَرِّثِ أَنْ يَخْتَارَ التَّضْمِينَ فِي الْبَعْضِ وَالسِّعَايَةَ فِي الْبَعْضِ فَكَذَا الْوَرَثَةُ، وَلَوْ لَمْ يَمُتْ السَّاكِتُ وَلَكِنْ مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يَخْتَارَ السَّاكِتُ شَيْئًا فَلَهُ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتَقَ قِيمَةَ نَصِيبِهِ إنْ كَانَ مُوسِرًا. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُضَمِّنَهُ قِيمَةَ نَصِيبِهِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَبْدِ لِأَنَّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِهِ وَالضَّمَانَ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ عَلَى الْمُعْتَقِ مَا لَمْ يَخْتَرْ ضَمَانَهُ، فَإِذَا هَلَكَ عَلَى مِلْكِهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَقَرَّرَ الضَّمَانَ عَلَى شَرِيكِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ اخْتِيَارِ التَّضْمِينِ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ هُوَ أَنْ يَمْلِكَ نَصِيبَهُ مِنْهُ بِالضَّمَانِ وَقَدْ فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِمَوْتِهِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَا يَحْتَمِلُ التَّمْلِيكَ. وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّ السَّبَبَ وَهُوَ الْإِفْسَادُ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِ فَكَانَ بِمَنْزِلَةِ الْغَصْبِ، وَمَوْتُ الْعَبْدِ بَعْدَ الْغَصْبِ لَا يَمْنَعُ مِنْ تَضْمِينِ الْغَاصِبِ، وَهَذَا لِأَنَّ تَضْمِينَهُ مِنْ وَقْتِ الْعِتْقِ وَكَانَ مَحَلًّا لِلتَّمْلِيكِ عِنْدَ ذَلِكَ؛ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَهُ نَصِيبَهُ أَوْ وَهَبَهُ عَلَى عِوَضٍ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِي الِاسْتِحْسَانِ وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ جَوَازَهُ كَالتَّضْمِينِ لِأَنَّ هَذَا تَمْلِيكٌ لِلْحَالِ وَهُوَ غَيْرُ مَحَلٍّ لَهُ. وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ: لَوْ أَعْتَقَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ مُوسِرٌ ثُمَّ مَاتَ لَا يُؤْخَذُ ضَمَانُ الْعِتْقِ مِنْ تَرِكَتِهِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ، بَلْ يَسْقُطُ لِأَنَّ الضَّمَانَ يَجِبُ بِطَرِيقِ التَّحَمُّلِ صِلَةً وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ، وَعِنْدَهُمَا يُؤْخَذُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ إتْلَافٍ، وَإِنَّمَا عُرِفَ اسْتِسْعَاءُ الْعَبْدِ عِنْدَ عُسْرَتِهِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ.

(قَوْلُهُ وَقَالَا لَيْسَ لَهُ) أَيْ السَّاكِتِ (إلَّا الضَّمَانُ مَعَ الْيَسَارِ وَالسِّعَايَةُ مَعَ الْإِعْسَارِ، وَلَا يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا ضَمِنَ وَالْوَلَاءُ لِلْمُعْتِقِ) قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تُبْتَنَى عَلَى حَرْفَيْنِ أَحَدِهِمَا تُجْزِئُ الْإِعْتَاقِ) عِنْدَهُ (وَعَدَمُهُ) عِنْدَهُمَا فَيَسْعَى وَهُوَ حُرٌّ مَدْيُونٌ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ (وَالثَّانِي أَنَّ يَسَارَ الْمُعْتَقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَمْنَعُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>