للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ، إلَّا أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَى الْجَزَاءِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودٍ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وَقْتِ الدُّخُولِ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَ الْيَمِينِ.

(وَمَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ) وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا ظَاهِرٌ، لِأَنَّ اللَّفْظَ لِلْحَالِ، وَفِي قِيَامِ الْحَمْلِ وَقْتَ الْيَمِينِ احْتِمَالٌ لِوُجُودِ أَقَلِّ مُدَّةِ الْحَمْلِ بَعْدَهُ، وَكَذَا إذَا وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الْمَمْلُوكَ الْمُطْلَقَ، وَالْجَنِينُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِلْأُمِّ لَا مَقْصُودًا، وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ دُونَ الْأَعْضَاءِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ بَيْعَهُ مُنْفَرِدًا.

فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ مَا اشْتَرَاهُ بَعْدَ التَّكَلُّمِ، بَلْ الَّذِي كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ التَّكَلُّمِ. وَوَجَّهَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَخْتَصُّ بِالْحَالِ وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ يَتَعَلَّقُ فِي الْحَالِ بِمُلُوكٍ: أَيْ الْمَمْلُوكُ فِي الْحَالِ حُرِّيَّتُهُ هِيَ الْجَزَاءُ، فَلَمَّا دَخَلَ الشَّرْطُ عَلَيْهِ تَأَخَّرَتْ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ عِنْدَ الشَّرْطِ مَنْ كَانَ مَمْلُوكًا عِنْدَ التَّكَلُّمِ.

وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ لِي حَالًا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ: أَيْ الِاخْتِصَاصُ مَنْ جَرَتْ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ: بِهِ: أَيْ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَلَزِمَ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ.

هَذَا وَيَعْتِقُ بِقَوْلِ الْقَائِلِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ الْعَبِيدُ وَلَوْ مَرْهُونِينَ أَوْ مَأْذُونِينَ أَوْ مُؤَجَّرِينَ وَالْإِمَاءُ وَلَوْ كُنَّ حَوَامِلَ أَوْ أُمَّهَاتِ أَوْلَادٍ وَالْمُدَبَّرُونَ وَأَوْلَادُهُمْ، وَلَا يَدْخُلُ الْمُكَاتَبُ خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ مِنْ وَجْهٍ إذْ هُوَ حُرٌّ يَدًا، وَلَوْ نَوَى الذُّكُورَ فَقَطْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فِي عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ، وَيُصَدَّقُ دِيَانَةً مَعَ أَنَّ طَائِفَةً مِنْ الْأُصُولِيِّينَ عَلَى أَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَعُمُّ النِّسَاءَ حَقِيقَةً وَوَضْعًا وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا الْجَنِينُ إلَّا أَنْ يَعْنِيَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِ التَّاجِرِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ، وَسَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ التَّاجِرِ دَيْنٌ أَوْ لَا، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا.

وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ. وَلَوْ قَالَ: عَنَيْت مَا يَسْتَقْبِلُ عَتَقَ مَا كَانَ فِي مِلْكِهِ وَمَا سَيَمْلِكُهُ إذَا مَلَكَهُ لِأَنَّ قَصَدَ تَغْيِيرَ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ لَفْظِهِ فَلَمْ تُعْتَبَرْ نِيَّتُهُ فِي إبْطَالِ حُكْمِ الظَّاهِرِ وَاعْتَبَرْنَا اعْتِرَافَهُ لِإِثْبَاتِ الْعِتْقِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّعْلِيلَ يُرْشِدُ إلَى أَنَّ عِتْقَ مَا هُوَ فِي مِلْكِهِ مَعَ هَذِهِ النِّيَّةِ إنَّمَا هُوَ فِي الْقَضَاءِ.

وَفِي الذَّخِيرَةِ: قَالَ مَمَالِيكِي كُلُّهُمْ أَحْرَارٌ وَنَوَى الرِّجَالَ دُونَ النِّسَاءِ لَمْ يَذْكُرْهُ، وَقَالُوا لَا يُصَدَّقُ دِيَانَةً، بِخِلَافِ قَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي وَنَوَى التَّخْصِيصَ يُصَدَّقُ دِيَانَةً انْتَهَى.

فَإِنْ قُلْت: مَا الْفَرْقُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ تَخْصِيصُ الْعَامِّ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلُّهُمْ تَأْكِيدٌ لِلْعَامِّ قَبْلَهُ وَهُوَ مَمَالِيكِي؛ لِأَنَّهُ جَمْعٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ وَهُوَ يَرْفَعُ احْتِمَالَ الْمَجَازِ غَالِبًا وَالتَّخْصِيصُ يُوجِبُ الْمَجَازَ فَلَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي فَإِنَّ الثَّابِتَ بِهِ أَصْلُ الْعُمُومِ فَقَطْ فَقُبِلَ التَّخْصِيصُ.

(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ: كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ وَلَهُ جَارِيَةٌ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ ذَكَرًا لَمْ يَعْتِقْ) سَوَاءٌ وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْقَوْلِ أَوْ أَقَلَّ، أَمَّا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>