للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّ إيجَابَ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ.

يُعْتَبَرُ فِي مَجْلِسِهِ وَمَجْلِسُهُ وَقْتُ وُجُودِهِ وَالْإِضَافَةُ تُؤَخِّرُ وُجُودَهُ إلَى وُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ هُنَا مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَوْ أَمْكَنَتْ إضَافَةٌ فِي الْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَجَبَ فِيهِ أَيْضًا كَوْنُ قَبُولِ الْبَيْعِ يَتَأَخَّرُ إلَى وَقْتِ وُجُودِ الْمُضَافِ فَيَكُونُ مَحَلُّ الْقَبُولِ ذَلِكَ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ حَيْثُ يَكُونُ الْقَبُولُ إلَيْهِ فِي الْحَالِ؛ لِأَنَّهُ إيجَابٌ لِلتَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْمَالُ لِقِيَامِ الرِّقِّ فِي الْمُدَبَّرِ.

وَلَا يَسْتَوْجِبُ الْمَوْلَى عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا صَحِيحًا، وَإِذَا عَتَقَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَبُولِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بَعْدَهُ، وَعَلَى هَذَا لَا فَائِدَةَ فِي تَعْلِيقِهِ بِالْقَبُولِ إلَّا لِيَظْهَرَ اخْتِيَارُ التَّدْبِيرِ مِنْ الْعَبْدِ، كَمَا لَوْ قَالَ إنْ اخْتَرْت التَّدْبِيرَ فَأَنْتَ مُدَبَّرٌ وَصَارَ كَمَا إذَا عَلَّقَ تَدْبِيرَهُ بِدُخُولِهِ الدَّارَ. وَأَوْرَدَ أَنَّ قَوْلَهُ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ هُوَ مَعْنَى أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِطَ فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ الْقَبُولَ فِي الْحَالِ: أُجِيبَ بِأَنَّ مَسْأَلَةَ الْكِتَابِ تَصَرُّفٌ بِيَمِينٍ مِنْ السَّيِّدِ لَا يُمَكَّنُ مِنْ الرُّجُوعِ، وَفِي الْأَيْمَانِ يُعْتَبَرُ اللَّفْظُ وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ إضَافَةٌ لَفْظًا لِيَكُونَ يَمِينًا فَلَا يُشْتَرَطُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ.

وَفِي النِّهَايَةِ إنَّمَا افْتَرَقَ وَقْتُ الْقَبُولِ فَاعْتُبِرَ فِي الْحَالِ فِي أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ الْأَلْفَ فِي التَّدْبِيرِ بِحَقِّ الْحُرِّيَّةِ وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ مُتَحَقِّقٌ قَبْلَ الْمَوْتِ وَاعْتُبِرَ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ؛ لِأَنَّهُ قَابَلَهَا بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ وَحَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ التَّدْبِيرَ لَيْسَ مَعْنَاهُ إلَّا الْإِعْتَاقُ الْمُضَافُ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ، وَذَلِكَ هُوَ الثَّابِتُ فِي كُلٍّ مِنْ قَوْلِهِ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِلَا فَرْقٍ، بَلْ الْمَعْنَى وَاحِدٌ دَلَّ عَلَيْهِ بِلَفْظٍ مُفْرَدٍ وَمُرَكَّبٍ كَلَفْظِ الْحَدِّ وَالْمَحْدُودِ مِنْ نَحْوِ إنْسَانٍ وَحَيَوَانٍ نَاطِقٍ، ثُمَّ يَثْبُتُ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ فَرْعًا عَنْ صِحَّةِ تِلْكَ الْإِضَافَةِ الَّتِي هِيَ التَّدْبِيرُ، لَا أَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ هُوَ مَعْنَى التَّدْبِيرِ ابْتِدَاءً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْفَرْقُ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي نَوَادِرِ بِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ: إذَا قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ لَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ السَّاعَةَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهُ، فَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ، وَقَالَ قَبِلْت أَدَاءَ الْأَلْفِ عَتَقَ، فَعَلَى هَذَا اسْتَوَتْ الْمَسْأَلَتَانِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا إنْ لَمْ يَقْبَلْ حِينَ قَالَ لَهُ ذَلِكَ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَقْبَلَ بَعْدَهُ، وَإِنْ قَبِلَ كَانَ مُدَبَّرًا وَعَلَيْهِ الْأَلْفُ إذَا مَاتَ السَّيِّدُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْإِمْلَاءِ، إذَا قَالَ إنْ مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ الْقَبُولُ عَلَى حَالَةِ الْحَيَاةِ لَا الْوَفَاةِ، فَإِذَا قَبِلَ صَحَّ التَّدْبِيرُ، فَإِذَا مَاتَ عَتَقَ وَلَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ الْقَبُولِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْتِقُ بِالْقَبُولِ فَلَا يَلْزَمُهُ وَقْتَ وُقُوعِ الْعَتَاقِ، فَسَوَّى بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ حَالَةَ الْحَيَاةِ، إلَّا أَنَّهُ اخْتَلَفَ كَلَامُهُ فِيهِمَا فِي لُزُومِ الْمَالِ.

وَذَكَرَ السَّرَخْسِيُّ عَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ: لَوْ قَالَ أَنْتَ مُدَبَّرٌ عَلَى أَلْفٍ فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِيَعْتِقَ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ فِي مَسْأَلَةِ أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ سَوَّى بَيْنَهُمَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي أَنَّ الْقَبُولَ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا سَوَّى أَبُو حَنِيفَةَ ذَكَرْنَا عَنْهُ كَذَلِكَ، وَحِينَئِذٍ فَمَا قِيلَ إنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ بَعْدَ مَوْتِي فَالْقَبُولُ بَعْدَ الْوَفَاةِ لَا يَصِحُّ، إذْ يَجِبُ أَنْ يُجْعَلَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فِي قَوْلِهِ إذَا مِتَّ فَأَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ أَنَّ الْقَبُولَ فِي حَالَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>