(وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِ؛ لِأَنَّهُ لَمَا ثَبَّتَ النَّسَبُ بِالْعَقْدِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ بِالْوَطْءِ وَأَنَّهُ أَكْثَرُ إفْضَاءً أَوْلَى. وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ عَنْهُ
الْفِرَاشَيْنِ إلَّا أَنَّهُ غَيْرُ مُتَأَكَّدٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ وَلَدُهَا بِالنَّفْيِ مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ فَلَا يُعْتَبَرُ مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ، فَأَفَادَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ صِحَّةِ النِّكَاحِ لَيْسَ إلَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ لَا تَوَهُّمُ الشَّغْلِ، وَهَذَا حَقٌّ لِمَا عُرِفَ مِنْ مَسْأَلَةِ: مَا إذَا رَأَى امْرَأَةً تَزْنِي فَتَزَوَّجَهَا حَيْثُ يَصِحُّ النِّكَاحُ وَيَحِلُّ الْوَطْءُ مَعَ أَنَّ احْتِمَالَ الشَّغْلِ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا لَيْسَ ثَابِتَ النَّسَبِ جَازَ النِّكَاحُ وَالْوَطْءُ؛ لِانْتِفَاءِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ، وَلِذَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ تَزَوُّجُ الْحَامِلِ مِنْ الزِّنَا لِانْتِفَاءِ الْفِرَاشِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ وَطْؤُهَا إذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ غَيْرِهِ حَتَّى تَضَعَ وَامْتِنَاعُ نِكَاحِ الْمُهَاجِرَةِ الْحَامِلِ لِثُبُوتِ نَسَبِهِ دُونَ غَيْرِهَا، وَحِينَئِذٍ فَالْجَوَابُ الْحَقُّ مَنْعُ كَوْنِ احْتِمَالِ الشَّغْلِ بِالْمَاءِ مَانِعًا فَلِذَا جَازَ النِّكَاحُ عَقِيبَ وَطْئِهَا، وَإِنْ كَانَ يُسْتَحَبُّ أَوْ يَجِبُ الِاسْتِبْرَاءُ، إنَّمَا الْمَانِعُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ الْقَوِيَّيْنِ، وَفِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ لَيْسَ قَوِيًّا عَلَى مَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمَسْأَلَةِ فَلَا يَكُونُ مَانِعًا مَا لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْحَمْلُ، بِخِلَافِ الْمُعْتَدَّةِ فَإِنَّهَا فِرَاشٌ حَالَ الْعِدَّةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ فَفِي تَزَوُّجِهَا جَمْعٌ بَيْنَ الْفِرَاشَيْنِ.
[فَرْعٌ]. إذَا بَاعَ خِدْمَةَ أُمِّ وَلَدِهِ مِنْهَا عَتَقَتْ كَمَا إذَا بَاعَ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِنْهُ؛ رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَعَنْ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ: لَا تُعْتَقُ، بِخِلَافِ بَيْعِ رَقَبَتِهَا مِنْهَا حَيْثُ تُعْتَقُ.
(قَوْلُهُ: وَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا) أَيْ وَلَدِ الْأَمَةِ لَا أُمِّ الْوَلَدِ، وَهَذَا رُجُوعٌ إلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْبَابِ فِي قَوْلِهِ إذَا وَلَدَتْ الْأَمَةُ مِنْ مَوْلَاهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَّا أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ، وَإِنْ اعْتَرَفَ بِوَطْئِهَا، وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، وَمَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مَعَ الْعَزْلِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: يَثْبُتُ إذَا أَقَرَّ بِوَطْئِهَا، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَنَّهُ اسْتَبْرَأَهَا بَعْدَ الْوَطْءِ بِحَيْضَةٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، فَإِنَّهُمْ زَعَمُوا أَنَّهَا بِالْوَطْءِ صَارَتْ فِرَاشًا كَالنِّكَاحِ وَفِيهِ يَلْزَمُ الْوَلَدُ، وَإِنْ اسْتَبْرَأَهَا مَعَ أَنَّ الْحَامِلَ تَحِيضُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ فَلَا يُفِيدُ الِاسْتِبْرَاءُ، وَهُمْ يَنْفَصِلُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا تَحِيضَ وَالْأَمْرُ بِالِاسْتِبْرَاءِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ فَيُحْكَمُ عِنْدَ وُجُودِهِ بِعَدَمِ الْحَمْلِ حُكْمًا بِالْغَالِبِ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي دُبْرِهَا يَلْزَمُهُ الْوَلَدُ عِنْدَ مَالِكٍ، وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ وَهُوَ وَجْهٌ مُضَعَّفٌ لِلشَّافِعِيَّةِ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ) هَذَا وَجْهُ قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي أَنَّ النَّسَبَ يَثْبُتُ بِمَا تَأْتِي بِهِ الْأَمَةُ بِمُجَرَّدِ وَطِئَهَا، وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ بِعَقْدِ الْبَالِغِ حَتَّى ثَبَتَ نَسَبُ مَا تَأْتِي بِهِ الْمَنْكُوحَةُ بِهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ الْوَطْءُ؛ لِوُجُودِهِ بَعْدَ الْمُفْضِي إلَى الْوَلَدِ فَثُبُوتُهُ بَعْدَ وَطْءِ الْبَالِغِ وَأَنَّهُ أَكْثَرُ إفْضَاءً إلَى وُجُودِ الْوَلَدِ أَوْلَى. وَإِنَّمَا قَيَّدْنَا بِالْبَالِغِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ الصَّبِيَّ لَا يَثْبُتُ بِهِ نَسَبٌ، وَإِنْ كَانَ بِعَقْدٍ وُضِعَ لِلْوَلَدِ (وَلَنَا أَنَّ وَطْءَ الْأَمَةِ يُقْصَدُ بِهِ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ دُونَ الْوَلَدِ؛ لِوُجُودِ الْمَانِعِ) مِنْ قَصْدِهِ وَهُوَ سُقُوطُ تَقَوُّمِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَنُقْصَانِهِ عِنْدَهُمَا فَكَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute