(وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) وَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ لَا تُعْتَقُ حَتَّى تُؤَدِّيَ السِّعَايَةَ. وَقَالَ زُفَرُ ﵀: تُعْتَقُ فِي الْحَالِ وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا، وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا عُرِضَ عَلَى الْمَوْلَى الْإِسْلَامُ فَأَبَى، فَإِنْ أَسْلَمَ تَبْقَى عَلَى حَالِهَا. لَهُ أَنَّ إزَالَةَ الذُّلِّ عَنْهَا بَعْدَمَا أَسْلَمَتْ وَاجِبَةٌ وَذَلِكَ بِالْبَيْعِ أَوْ الْإِعْتَاقِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الْبَيْعُ فَتَعَيَّنَ الْإِعْتَاقُ.
وَلَنَا أَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي جَعْلِهَا مُكَاتَبَةً؛ لِأَنَّهُ يَنْدَفِعُ الذُّلُّ عَنْهَا بِصَيْرُورَتِهَا حُرَّةً يَدًا وَالضَّرَرُ عَنْ الذِّمِّيِّ لِانْبِعَاثِهَا عَلَى الْكَسْبِ نَيْلًا لِشَرَفِ الْحُرِّيَّةِ فَيَصِلُ الذِّمِّيُّ إلَى بَدَلِ مِلْكِهِ، أَمَّا لَوْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ مُفْلِسَةٌ تَتَوَانَى فِي الْكَسْبِ وَمَالِيَّةُ أُمُّ الْوَلَدِ يَعْتَقِدُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةً فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ،
وَهُوَ مَدْيُونٌ فَلَيْسَ لِأَصْحَابِ الدُّيُونِ أَنْ يُطَالِبُوا مَنْ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ بِدَيْنِهِمْ؛ لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَيْسَ مَالًا مُتَقَوِّمًا حَتَّى يَأْخُذُوا بِمُقَابَلَةِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنْ الْقِصَاصِ مَالًا.
وَقِيلَ: مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ الْمَدْيُونُ شَخْصًا لَا يَقْدِرُ الْغُرَمَاءُ عَلَى مَنْعِ وَلِيِّ الْقِصَاصِ مِنْ قَتْلِهِ قِصَاصًا. وَقِيلَ مَعْنَاهُ إذَا قَتَلَ رَجُلًا مَدْيُونًا وَعَفَا الْمَدْيُونُ قَبْلَ مَوْتِهِ صَحَّ، وَلَيْسَ لِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ الْعَفْوِ. وَقِيلَ إذَا قَتَلَ شَخْصٌ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ لَا يَضْمَنُ الْقَاتِلُ لِوَلِيِّ الْقِصَاصِ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ حَقًّا مَالِيًّا وَالْأَقْرَبُ الْمُتَبَادَرُ الْأَوَّلُ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ فَعَلَيْهَا أَنْ تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَتْ فَعُرِضَ الْإِسْلَامُ عَلَى مَوْلَاهَا فَأَبَى فَإِنَّهُ يُخْرِجُهَا الْقَاضِي عَنْ وِلَايَتِهِ بِأَنْ يُقَدِّرَ قِيمَتَهَا فَيُنَجِّمَهَا عَلَيْهَا فَتَصِيرُ مُكَاتَبَةً إلَّا أَنَّهَا لَا تُرَدُّ إلَى الرِّقِّ وَلَوْ عَجَزَتْ نَفْسُهَا؛ لِأَنَّهَا لَوْ رُدَّتْ إلَى الرِّقِّ رُدَّتْ إلَى الْكِتَابَةِ لِقِيَامِ إسْلَامِهَا وَهُوَ الْمُوجِبُ فَلَا فَائِدَةَ فِي إثْبَاتِ حُكْمِ التَّعْجِيزِ، وَعَلَى هَذَا إذَا أَسْلَمَ مُدَبَّرُ النَّصْرَانِيِّ وَتَسْمِيَةُ مِثْلِ هَذَا دَوْرًا عَلَى التَّشْبِيهِ، وَإِلَّا فَاللَّازِمُ لَيْسَ إلَّا مَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ الْفَائِدَةِ، وَهَذَا بِحَسَبِ الظَّاهِرِ أَنَّهَا لَا تُقَدَّرُ إلَّا كَذَلِكَ، وَإِلَّا لَوْ وَجَدَتْ الْمَالَ فِي الْحَالِ لَمْ يُحْتَجْ إلَى ذَلِكَ.
(وَقَالَ زُفَرُ: تُعْتَقُ لِلْحَالِ) أَيْ لِحَالِ إبَاءِ مَوْلَاهَا الْإِسْلَامَ (وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا) تُطَالَبُ بِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ، فَإِنْ أَسْلَمَ عِنْدَ الْعَرْضِ فَهِيَ عَلَى حَالِهَا بِالِاتِّفَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَسْلَمَ بَعْدَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ وَالظَّاهِرِيَّةُ: تُعْتَقُ مَجَّانًا. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: يُحَالُ بَيْنَهُمَا فَلَا يُمَكَّنُ مِنْ الْخَلْوَةِ بِهَا فَضْلًا عَنْ انْتِفَاعٍ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ وَيُجْبَرُ عَلَى نَفَقَتِهَا إلَى أَنْ يَمُوتَ فَتُعْتَقَ بِمَوْتِهِ أَوْ يُسْلِمَ فَتَحِلَّ لَهُ. وَجْهُ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّ النَّظَرَ، وَدَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الذِّمِّيِّ وَاجِبٌ لِذِمَّتِهِ وَعَنْ الْمُسْلِمِ؛ لِإِسْلَامِهِ وَذَلِكَ فِي إعْتَاقِهَا بِالْقِيمَةِ لَهُ، بِخِلَافِ مَجَّانًا كَمَا قَالَ مَالِكٌ، فَإِنَّهُ إهْدَارُ مَا يَجِبُ لَهُ مِنْ النَّظَرِ إذَا أَمْكَنَ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَفِيهِ زِيَادَةُ إضْرَارٍ بِهِ مِنْ إيجَابِ النَّفَقَةِ بِلَا انْتِفَاعٍ مَعَ إمْكَانِ دَفْعِهِ عَنْهُ. قُلْنَا: الْأَمْرُ كَمَا ذَكَرْت غَيْرَ أَنَّ قَوْلَنَا أَدْفَعُ لِلضَّرَرِ عَنْهُ وَعَنْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَصِلُ إلَى الْبَدَلِ عَقِيبَ عِتْقِهَا؛ لِأَنَّهَا تُعْتَقُ مُفْلِسَةً، وَرُبَّمَا تَتَوَانَى فِي الِاكْتِسَابِ إذَا كَانَ مَقْصُودُ الْعِتْقِ قَدْ حَصَلَ لَهَا قَبْلَهُ فَيَتَضَرَّرُ الذِّمِّيُّ لِذَلِكَ وَتَتَضَرَّرُ هِيَ بِشَغْلِ ذِمَّتِهَا بِحَقِّ ذِمِّيٍّ، وَرُبَّمَا تَمُوتُ قَبْلَ إيفَائِهَا حَقَّهُ، وَقَدْ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: خُصُومَةُ الذِّمِّيِّ وَالدَّابَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَشَدُّ مِنْ خُصُومَةِ الْمُسْلِمِ، بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفَ عِتْقُهَا عَلَى الْأَدَاءِ فَإِنَّهُ حَامِلٌ عَلَى الْإِيفَاءِ فَكَانَ اعْتِبَارُنَا أَوْلَى إذْ كَانَ أَنْظَرَ لِلْجَانِبَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: (وَمَالِيَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ إلَخْ) جَوَابُ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ بِنَفْيِ مَالِيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ هُوَ أَنَّهَا كَيْفَ تَسْعَى. فِي قِيمَتِهَا وَلَا قِيمَةَ لَهَا لِانْتِفَاءِ الْمَالِيَّةِ عِنْدَك فَقَالَ الذِّمِّيُّ يَعْتَقِدُ تَقَوُّمَهَا (فَيُتْرَكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ) أَيْ مَعَ مَا يَعْتَقِدُهُ. وَلِأَنَّا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute