(ثُمَّ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْمِسْكِينِ) لِوُقُوعِهِ صَدَقَةً.
قَالَ (وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَنَّ فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحْنِثَ نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ) لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ بِاَلَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لِيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ»
فِي الْبُخَارِيِّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ إلَى آخِرِ مَا فِي الْمُسْتَدْرَكِ، وَفِيهِ الْعَطْفُ بِالْوَاوِ وَهُوَ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ، وَقَدْ شَذَّتْ رِوَايَةُ ثُمَّ لِمُخَالَفَتِهَا رِوَايَاتِ الصَّحِيحَيْنِ وَالسُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ فَصَدَقَ عَلَيْهَا تَعْرِيفُ الْمُنْكَرِ فِي عِلْمِ الْحَدِيثِ وَهُوَ مَا خَالَفَ الْحَافِظُ فِيهَا الْأَكْثَرَ: يَعْنِي مِنْ سِوَاهُ مِمَّنْ هُوَ أَوْلَى مِنْهُ بِالْحِفْظِ وَالْإِتْقَانِ فَلَا يُعْمَلُ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ وَيَكُونُ التَّعْقِيبُ الْمُفَادُ بِالْفَاءِ لِجُمْلَةِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي اُدْخُلْ السُّوقَ فَاشْتَرِ لَحْمًا وَفَاكِهَةً، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ تَعْقِيبُ دُخُولِ السُّوقِ بِشِرَاءِ كُلٍّ مِنْ الْأَمْرَيْنِ، وَهَكَذَا قُلْنَا فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ﴾ الْآيَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاوَ لَمَّا لَمْ تَقْتَضِ التَّعْقِيبَ كَانَ قَوْلُهُ فَلْيُكَفِّرْ لَا يَلْزَمُ تَقْدِيمُهُ عَلَى الْحِنْثِ بَلْ جَازَ كَوْنُهُ قَبْلَهُ كَمَا بَعْدَهُ فَلَزِمَ مِنْ هَذَا كَوْنُ الْحَاصِلِ فَلْيَفْعَلْ الْأَمْرَيْنِ فَيَكُونُ الْمُعَقَّبُ الْأَمْرَيْنِ، ثُمَّ وَرَدَتْ رِوَايَاتٌ بِعَكْسِهِ: مِنْهَا مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ عَنْهُ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ».
وَمِنْهَا حَدِيثٌ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» وَمِنْهَا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيّ: أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنْ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَزَاءِ عَنْ عَمِّهِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُ ابْنَ عَمٍّ لِي آتِيهِ أَسْأَلُهُ فَلَا يُعْطِينِي وَلَا يَصِلُنِي ثُمَّ يَحْتَاجُ إلَيَّ فَيَأْتِينِي وَيَسْأَلُنِي وَقَدْ حَلَفْتُ أَنْ لَا أُعْطِيَهُ وَلَا أَصِلَهُ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَأُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِي» وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ بِنَحْوِهِ؛ ثُمَّ لَوْ فُرِضَ صِحَّةُ رِوَايَةِ " ثُمَّ " كَانَ مِنْ تَغْيِيرِ الرِّوَايَةِ، إذْ قَدْ ثَبَتَتْ الرِّوَايَاتُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بِالْوَاوِ، وَلَوْ سَلِمَ فَالْوَاجِبُ كَمَا قَدَّمْنَا حَمْلُ الْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ الشَّهِيرِ لَا عَكْسُهُ، فَتُحْمَلُ ثُمَّ عَلَى الْوَاوِ الَّتِي امْتَلَأَتْ كُتُبُ الْحَدِيثِ مِنْهَا دُونَ ثُمَّ.
وَأَمَّا لَفْظُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ فَلَمْ يُعْرَفْ أَصْلًا: أَعْنِي قَوْلَهُ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ ثُمَّ لْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ» إلَّا أَنَّ الْمَطْلُوبَ لَمْ يَتَوَقَّفْ عَلَيْهِ كَذَلِكَ، هَذَا وَلَفْظُ الْيَمِينِ فِي قَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ» مَجَازٌ مِنْ إطْلَاقِ اسْمِ الْكُلِّ عَلَى الْجُزْءِ وَهُوَ الْمُقْسَمُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَمِينَ اسْمٌ لِمَجْمُوعِ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُرَادُ (قَوْلُهُ لَا يَسْتَرِدُّ مِنْ الْفَقِيرِ) يَعْنِي إذَا دَفَعَ إلَى الْفَقِيرِ الْكَفَّارَةَ قَبْلَ الْحِنْثِ وَقُلْنَا لَا يُجْزِيهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ لِلَّهِ قَصَدَ بِهِ الْقُرْبَةَ مَعَ شَيْءٍ آخَرَ وَقَدْ حَصَلَ التَّقَرُّبُ وَتَرَتَّبَ الثَّوَابُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَهُ وَيُبْطِلَهُ.
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ عَلَى مَعْصِيَةٍ مِثْلَ أَنْ لَا يُصَلِّيَ أَوْ لَا يُكَلِّمَ أَبَاهُ أَوْ لَيَقْتُلَن فُلَانًا يَنْبَغِي أَنْ يُحْنِثَ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُحْنِثَ (نَفْسَهُ وَيُكَفِّرَ عَنْ يَمِينِهِ لِقَوْلِهِ ﷺ «مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ وَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute