وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَارٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ.
(وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ كُفْرِهِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْيَمِينِ لِأَنَّهَا تُعْقَدُ لِتَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَعَ الْكُفْرِ لَا يَكُونُ مُعَظِّمًا وَلَا هُوَ أَهْلُ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ.
فَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ») وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ آنِفًا (وَلِأَنَّ فِيمَا قُلْنَاهُ) مِنْ تَحْنِيثِ نَفْسِهِ (تَفْوِيتُ الْبِرِّ إلَى جَابِرٍ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ) وَثُبُوتُ جَابِرِ الشَّيْءِ كَثُبُوتِ نَفْسِهِ فَكَانَ الْمُتَحَقَّقُ الْبِرَّ (وَلَا جَابِرَ لِلْمَعْصِيَةِ فِي ضِدِّهِ) أَيْ فِي ضِدِّ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ تَحْنِيثُ نَفْسِهِ وَضِدُّ تَحْنِيثِ نَفْسِهِ هُوَ أَنْ يَبَرَّ فِي يَمِينِهِ بِفِعْلِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ تَتَقَرَّرُ الْمَعْصِيَةُ دُونَ جَابِرٍ يَجْبُرُهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ أَنْوَاعٌ: فِعْلُ مَعْصِيَةٍ أَوْ تَرْكُ فَرْضٍ فَالْحِنْثُ وَاجِبٌ أَوْ شَيْءٌ غَيْرُهُ أَوْلَى مِنْهُ كَالْحَلِفِ عَلَى تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِهِ شَهْرًا وَنَحْوَهُ، فَإِنَّ الْحِنْثَ أَفْضَلُ لِأَنَّ الرِّفْقَ أَيْمَنُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَضْرِبَنَّ عَبْدَهُ وَهُوَ يَسْتَأْهِلُ ذَلِكَ أَوْ لَيَشْكُوَنَّ مَدْيُونَهُ إنْ لَمْ يُوَافِهِ غَدًا لِأَنَّ الْعَفْوَ أَفْضَلُ، وَكَذَا تَيْسِيرُ الْمُطَالَبَةِ. أَوْ عَلَى شَيْءٍ وَضِدُّهُ مِثْلُهُ كَالْحَلِفِ لَا يَأْكُلُ هَذَا الْخُبْزَ أَوْ لَا يَلْبَسُ هَذَا الثَّوْبَ فَالْبِرُّ فِي هَذَا وَحِفْظُ الْيَمِينِ أَوْلَى، وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنَّهُ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ فِي تَأْوِيلِهَا أَنَّهُ الْبِرُّ فِيهَا أَمْكَنَ.
(قَوْلُهُ وَإِذَا حَلَفَ الْكَافِرُ ثُمَّ حَنِثَ فِي حَالِ الْكُفْرِ أَوْ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَلَا حِنْثَ عَلَيْهِ) أَيْ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، فَالْمُرَادُ حُكْمُ الْحِنْثِ الْمَعْهُودِ، وَكَذَا إذَا حَلَفَ مُسْلِمًا ثُمَّ ارْتَدَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute