. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
الْمَلْبُوسِ أَوْ الْمَأْكُولِ أَوْ الْمَشْرُوبِ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت لَمْ تَصِحَّ نِيَّتُهُ لَا فِي الْقَضَاءِ وَلَا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، فَأَيَّ شَيْءٍ أَكَلَ أَوْ لَبِسَ أَوْ شَرِبَ حَنِثَ. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ تَصِحُّ نِيَّتُهُ دِيَانَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَاخْتَارَهَا الْخَصَّافُ لِأَنَّ النِّيَّةَ إنَّمَا تَصِحُّ فِي الْمَلْفُوظِ لِتَعْيِينِ بَعْضِ مُحْتَمَلَاتِهِ. وَالثَّوْبُ فِي إنْ لَبِسْت وَالْمَأْكُولَ وَالْمَشْرُوبَ فِي إنْ أَكَلْت وَإِنْ شَرِبْت غَيْرُ مَذْكُورٍ تَنْصِيصًا فَلَمْ تُصَادِفْ النِّيَّةُ مَحَلَّهَا فَلَغَتْ.
فَإِنْ قِيلَ: إنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا تَنْصِيصًا فَهُوَ مَذْكُورٌ تَقْدِيرًا وَهُوَ كَالْمَذْكُورِ تَنْصِيصًا. أُجِيبَ بِأَنَّ تَقْدِيرَهُ لِضَرُورَةِ اقْتِضَاءِ الْأَكْلِ مَأْكُولًا، وَكَذَا اللُّبْسُ وَالشُّرْبُ، وَالْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ عِنْدَنَا، وَلِأَنَّ ثُبُوتَهُ ضَرُورِيٌّ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالضَّرُورَةُ فِي تَصْحِيحِ الْكَلَامِ، وَتَصْحِيحُهُ لَا يَتَوَقَّفُ إلَّا عَلَى مَأْكُولٍ لَا عَلَى مَأْكُولٍ هُوَ كَذَا فَلَا تَصِحُّ إرَادَتُهُ، فَمَبْنَى الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْفُرُوعِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الشَّافِعِيِّ الِاخْتِلَافُ فِي أَنَّ الْمُقْتَضَى لَا عُمُومَ لَهُ أَوْ لَهُ عُمُومٌ عَلَى مَا ذَكَرُوا، أَمَّا لَوْ قَالَ إنْ لَبِسْت ثَوْبًا أَوْ أَكَلْت طَعَامًا أَوْ شَرِبْت شَرَابًا وَقَالَ عَنَيْت شَيْئًا دُونَ شَيْءٍ فَإِنَّهُ يَدِينُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا فِي الْقَضَاءِ، لِأَنَّهُ ذَكَرَ اللَّفْظَ الْعَامَّ الْقَابِلَ لِلتَّخْصِيصِ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ، وَهَذَا لِأَنَّهُ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ فَتَعُمُّ لِمَآلِهَا إلَى كَوْنِهَا فِي سِيَاقِ النَّفْيِ بِسَبَبِ أَنَّ الشَّرْطَ الْمُثْبَتَ فِي الْيَمِينِ يَكُونُ الْحَلِفُ عَلَى نَفْيِهِ لِأَنَّ الْمَعْنَى نَفْيُ لُبْسِ الثَّوْبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا أَلْبَسُ ثَوْبًا إلَّا أَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يَقْبَلُهُ الْقَاضِي مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: يُعْتَبَرُ تَخْصِيصًا لِلْمَصْدَرِ الْمَدْلُولِ عَلَيْهِ بِالْفِعْلِ فَإِنَّهُ مَذْكُورٌ بِذِكْرِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الطَّلَاقِ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ أَيْضًا ضَرُورِيٌّ لِلْفِعْلِ وَالضَّرُورَةُ مُنْدَفِعَةٌ بِلَا تَعْمِيمٍ، وَهَذَا يُخَالِفُ مَا تَقَدَّمَ فِي مَسْأَلَةِ طَلِّقِي نَفْسَك حَيْثُ جَعَلَ الْمَصْدَرَ مَذْكُورًا بِذِكْرِ الْفِعْلِ فَقَبْلَ الْعُمُومِ حَتَّى صَحَّتْ نِيَّةُ الثَّلَاثِ، بَلْ الْحَقُّ عَلَى هَذَا أَنَّهُ عَامٌّ، وَكَمَا قُلْتُمْ فِي قَوْلِهِ إنْ خَرَجْت فَعَبْدِي حُرٌّ وَنَوَى السَّفَرَ مَثَلًا يُصَدَّقُ دِيَانَةً فَلَا يَحْنَثُ بِالْخُرُوجِ إلَى غَيْرِهِ تَخْصِيصًا لِنَفْسِ الْخُرُوجِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ نَوَى الْخُرُوجَ إلَى مَكَان خَاصٍّ كَبَغْدَادَ حَيْثُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمَكَانَ غَيْرَ مَذْكُورٍ، فَكَذَا يُرَادُ تَخْصِيصُ فِعْلِ الْأَكْلِ، وَهَكَذَا قَوْلُكُمْ فِيمَا إذَا حَلَفَ لَا يُسَاكِنُ فُلَانًا وَنَوَى الْمُسَاكَنَةَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ أَنَّهُ يَصِحُّ، وَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلْمَصْدَرِ الْمَضْمُونِ لِلْفِعْلِ.
قُلْنَا: ذَلِكَ الْمَصْدَرُ وَإِنْ عَمَّ بِسَبَبِ أَنَّهُ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ لِأَنَّ الْفِعْلَ فِي سِيَاقِهِ، لَكِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ لِأَنَّ عُمُومَهُ ضَرُورَةٌ تُحَقِّقُ الْفِعْلَ فِي النَّفْيِ، فَإِنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي خُصُوصِ مَحَلِّهِ الْخَاصِّ: أَعْنِي بَعْدَ لَفْظَةِ لَا فِي لَا آكُلُ إلَّا بِتَحَقُّقِ ذَلِكَ الْمَصْدَرِ هُنَاكَ، وَمَا لَيْسَ ثُبُوتُهُ إلَّا ضَرُورَةً أَمْرٌ لَا يَثْبُتُ بِاعْتِبَارِهِ غَيْرَهُ، وَلَا يَثْبُتُ مَا هُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ مَنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ فِي النَّفْيِ ثُبُوتُ الْمَصْدَرِ الْعَامِّ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ ثُبُوتِ الْفِعْلِ ثُبُوتُ التَّصَرُّفِ بِالتَّخْصِيصِ فَلَا يَقْبَلُهُ، بِخِلَافِ إنْ أَكَلْت أَكْلًا فَإِنَّ الِاسْمَ حِينَئِذٍ مَذْكُورٌ صَرِيحًا فَيَقْبَلُ نِيَّةَ التَّخْصِيصِ هُوَ لَا يُشَكِّلُ الْفَرْقَ لِأَنَّ أَكْلَ الْمَذْكُورِينَ لَيْسَ عَيْنَ الْأَكْلِ الضِّمْنِيِّ لِلْفِعْلِ الضَّرُورِيِّ الثُّبُوتِ فَقَامَ الْمَذْكُورُ مَقَامَ الِاسْمِ وَقَبْلَ التَّخْصِيصِ.
وَأَمَّا مَسْأَلَةُ الْخُرُوجِ فَقَدْ أَنْكَرَهَا الْقُضَاةُ الْأَرْبَعَةُ الْقَاضِي أَبُو الْهَيْثَمِ وَالْقَاضِي أَبُو خَازِمٍ وَالْقَاضِي الْقُمِّيُّ وَالْقَاضِي أَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ، وَحَمَلُوا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيهَا عَلَى مَا لَوْ قَالَ إنْ خَرَجْت خُرُوجًا وَكَأَنَّهَا سَقَطَتْ مِنْ الْكَاتِبِ. وَمَنْ الْتَزَمَهَا أَجَابَ بِأَنَّ الْخُرُوجَ فِي نَفْسِهِ مُتَنَوِّعٌ إلَى سَفَرٍ وَغَيْرِهِ حَتَّى اخْتَلَفَتْ أَحْكَامُهُمَا قُبِلَتْ إرَادَةُ أَحَدِ نَوْعَيْهِ وَبِهِ أُجِيبَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْمُسَاكَنَةِ، فَإِنَّهَا مُتَنَوِّعَةٌ إلَى كَامِلَةٍ وَهِيَ الْمُسَاكَنَةُ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ، وَمُطْلَقَةٌ وَهِيَ مَا تَكُونُ فِي دَارٍ، فَإِرَادَةُ الْمُسَاكَنَةِ فِي بَيْتٍ إرَادَةُ أَخَصِّ أَنْوَاعِهَا، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يَغْتَسِلُ أَوْ لَا يَنْكِحُ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ امْرَأَةٍ دُونَ امْرَأَةٍ لَا يُصَدَّقُ قَضَاءً وَلَا دِيَانَةً، لِأَنَّ الِاغْتِسَالَ غَيْرُ مُتَنَوِّعٍ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ إمْرَارِ الْمَاءِ وَالتَّنَوُّعُ فِي أَسْبَابِهِ.
وَكَذَا لَا يَسْكُنُ دَارَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute