. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
فُلَانٍ وَقَالَ عَنَيْت بِأَجْرٍ وَلَمْ يَسْبِقْ قَبْلَ ذَلِكَ كَلَامٌ بِأَنْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ أَوْ اسْتَعَارَهَا فَأَبَى فَحَلَفَ يَنْوِي السُّكْنَى بِالْإِجَارَةِ أَوْ الْإِعَارَةِ لَا يَصِحُّ حَتَّى لَوْ سَكَنَهَا بِغَيْرِ أَجْرٍ حَنِثَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ حَلَفَ لَا يَسْكُنُ دَارًا اشْتَرَاهَا فُلَانٌ وَعَنَى اشْتَرَاهَا لِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُصَدَّقُ لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيْ الشِّرَاءِ لِأَنَّهُ مُتَنَوِّعٌ إلَى مَا يُوجِبُ الْمِلْكَ لِلْمُشْتَرِي وَمَا يُوجِبُهُ لِغَيْرِهِ فَتَصِحُّ نِيَّةُ أَحَدِ النَّوْعَيْنِ، بِخِلَافِ السُّكْنَى نَفْسِهَا لِأَنَّهَا لَا تَتَنَوَّعُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ إلَّا الْكَيْنُونَةُ فِي الدَّارِ عَلَى وَجْهِ الْقَرَارِ، وَإِنَّمَا تَخْتَلِفُ بِالصِّفَةِ وَلَا يَصِحُّ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ لِأَنَّهَا لَمْ تُذْكَرْ بِخِلَافِ الْجِنْسِ، وَكَذَا لَوْ حَلَفَ لَا يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً وَنَوَى كُوفِيَّةً أَوْ بَصَرِيَّةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ تَخْصِيصُ الصِّفَةِ، وَلَوْ نَوَى حَبَشِيَّةً أَوْ عَرَبِيَّةً صَحَّتْ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ تَخْصِيصٌ فِي الْجِنْسِ كَأَنَّ الِاخْتِلَافَ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْآبَاءِ اخْتِلَافٌ بِالْجِنْسِ وَبِالنِّسْبَةِ إلَى الْبِلَادِ اخْتِلَافٌ بِالصِّفَةِ، وَكَأَنَّ السِّرَّ فِي ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّ ذِكْرَ لَفْظِ امْرَأَةٍ أَوْ رَجُلٍ عَيْنُ ذِكْرِ وَلَدٍ لَهُ آبَاءُ إلَى آدَمَ فَكَأَنَّهُ قَالَ كُلُّ مَنْ كَانَ لَهَا أَبٌ مِنْ وَلَدِ آدَمَ وَأَرَادَ بَعْضَ الْآبَاءِ دُونَ بَعْضٍ وَلَيْسَ الصِّفَاتُ مَذْكُورَةً بِعَيْنِ وَلَدِ آدَمَ وَإِنْ كَانَ لَا يَخْلُو الْمَوْجُودُ عَنْ صِفَةٍ فَثُبُوتُهَا مُقْتَضَى الْوُجُودِ لَا اللَّفْظِ.
وَالْحَقُّ أَنَّ الْأَفْعَالَ الْخَارِجِيَّةَ لَا تُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ إلَّا نَوْعًا وَاحِدًا، لَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْغُسْلِ وَنَحْوِهِ، وَلَا بَيْنَ الْخُرُوجِ وَنَحْوِهِ مِنْ الشِّرَاءِ، فَكَمَا أَنَّ اتِّحَادَ الْغُسْلِ بِسَبَبِ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا إمْرَارُ الْمَاءِ كَذَلِكَ الْخُرُوجُ لَيْسَ إلَّا قَطْعُ الْمَسَافَةِ غَيْرَ أَنَّهُ يُوصَفُ بِالطُّولِ وَالْقِصَرِ فِي الزَّمَانِ فَلَا تَصِيرُ مُنْقَسِمَةً إلَى نَوْعَيْنِ إلَّا بِاخْتِلَافِ الْأَحْكَامِ شَرْعًا، فَإِنَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَلِمْنَا اعْتِبَارَ الشَّرْعِ إيَّاهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي الْخُرُوجِ الْمُخْتَلِفِ الْأَحْكَامِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ وَالشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ وَغَيْرِهِ فَإِنَّهُ مُخْتَلِفٌ حُكْمُهُمَا فَيُحْكَمُ بِتَعَدُّدِ النَّوْعِ فِي ذَلِكَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُسَاكَنَةَ وَالسُّكْنَى لَيْسَ فِيهِمَا لِاخْتِلَافِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ لِطَائِفَةٍ مِنْهُمَا بِالنِّسْبَةِ إلَى طَائِفَةٍ أُخْرَى وَكُلٌّ فِي نَفْسِهِ نَوْعٌ لِأَنَّ الْكُلَّ قَرَارٌ فِي الْمَكَانِ.
ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْمَفْعُولَ فِي لَا آكُلُ وَلَا أَلْبَسُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى لِأَنَّ الْمُقْتَضَى مَا يُقَدَّرُ لِتَصْحِيحِ الْمَنْطُوقِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ مِمَّا يُحْكَمُ بِكَذِبِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ مِثْلَ " رُفِعَ الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ " أَوْ بِعَدَمِ صِحَّتِهِ شَرْعًا مَثَلَ أَعْتِقْ عَبْدَك وَلَيْسَ قَوْلُ الْقَائِلِ لَا آكُلُ يُحْكَمُ بِكَذِبِ قَائِلِهِ بِمُجَرَّدِهِ وَلَا مُتَضَمِّنًا حُكْمًا لَا يَصِحُّ شَرْعًا. نَعَمْ الْمَفْعُولُ: أَعْنِي الْمَأْكُولَ مِنْ ضَرُورِيَّاتِ وُجُودِ فِعْلِ الْآكِلِ، وَمِثْلُهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْمُقْتَضَى وَإِلَّا كَانَ كُلُّ كَلَامٍ كَذَلِكَ إذْ لَا بُدَّ أَنْ يُسْتَدْعَى مَعْنَاهُ زَمَانًا وَمَكَانًا، فَكَانَ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَ قَوْلِنَا الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ مَرْفُوعَانِ، وَبَيْنَ قَامَ زَيْدٌ وَجَلَسَ عَمْرٌو، فَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ حَذْفِ الْمَفْعُولِ اقْتِصَارًا وَتَنَاسِيًا، وَطَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ وَإِنْ فَرَّقُوا بَيْنَ الْمُقْتَضَى وَالْمَحْذُوفِ وَجَعَلُوا الْمَحْذُوفَ يَقْبَلُ الْعُمُومَ، فَلَنَا أَنْ نَقُولَ: عُمُومُهُ لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ، وَقَدْ صَرَّحَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ جَمْعٌ بِأَنَّ مِنْ الْعُمُومَاتِ مَا لَا يَقْبَلُ التَّخْصِيصَ مِثْلُ الْمَعَانِي إذَا قُلْنَا بِأَنَّ الْعُمُومَ مِنْ عَوَارِضِ الْمَعَانِي كَمَا هُوَ مِنْ عَوَارِضِ الْأَلْفَاظِ وَغَيْرُ ذَلِكَ.
فَكَذَلِكَ هَذَا الْمَحْذُوفُ إذْ لَيْسَ فِي حُكْمِ الْمَنْطُوقِ لِتَنَاسِيهِ وَعَدَمِ الِالْتِفَاتِ إلَيْهِ، إذْ لَيْسَ الْغَرَضُ إلَّا الْإِخْبَارُ بِمُجَرَّدِ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ قَدْ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ اللَّازِمِ لِمَا قُلْنَا وَالِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ التَّخْصِيصِ فِي بَاقِي الْمُتَعَلَّقَاتِ مِنْ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، حَتَّى لَوْ نَوَى لَا يَأْكُلُ فِي مَكَان دُونَ آخَرَ أَوْ زَمَانٍ لَا تَصِحُّ نِيَّتُهُ بِالِاتِّفَاقِ. وَمِنْ صُوَرِ تَخْصِيصِ الْحَالِ أَنْ يَقُولَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ وَهُوَ قَائِمٌ وَنَوَى فِي حَالِ قِيَامِهِ فَنِيَّتُهُ لَغْوٌ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَا أُكَلِّمُ هَذَا الرَّجُلَ الْقَائِمَ فَإِنَّ نِيَّتَهُ تُعْمَلُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْفَرْقُ بِأَنَّ الْمَفْعُولَ فِي حُكْمِ الْمَذْكُورِ إذْ لَا يُعْقَلُ الْفِعْلُ إلَّا بِعَقْلِيَّتِهِ مَمْنُوعٌ بَلْ نَقْطَعُ بِتَعَقُّلِ مَعْنَى الْمُتَعَدِّي بِدُونِ إخْطَارِهِ، فَإِنَّمَا هُوَ لَازِمٌ لِوُجُودِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute