للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ) حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا: إذَا شَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ يَحْنَثُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفُ الْمَفْهُومِ. وَلَهُ أَنَّ كَلِمَةَ مِنْ لِلتَّبْعِيضِ وَحَقِيقَتُهُ فِي الْكَرْعِ وَهِيَ مُسْتَعْمَلَةٌ، وَلِهَذَا يَحْنَثُ بِالْكَرْعِ إجْمَاعًا فَمُنِعَتْ الْمَصِيرَ إلَى الْمَجَازِ وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا.

لَا مَدْلُولًا لِلَّفْظِ. هَذَا، وَكَوْنُ إرَادَةِ نَوْعٍ لَيْسَ تَخْصِيصًا مِنْ الْعَامِّ مِمَّا يَقْبَلُ الْمَنْعَ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ عَنْ قَصْرٍ عَامٍّ عَلَى بَعْضِ مُتَنَاوَلَاتِهِ، وَأَقْرَبُ الْأُمُورِ إلَيْك قَوْلُهُ «لَا تَقْتُلُوا النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ» تَخْصِيصٌ لِاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، وَالنِّسَاءُ نَوْعٌ مُنْدَرِجٌ تَحْتَ الْمُشْرِكِينَ، وَمَعْنَى تَخْصِيصِ النَّوْعِ لَيْسَ إلَّا إخْرَاجُ جَمِيعِ أَفْرَادِهِ كَمَا نَحْنُ فِيهِ تَخْصِيصُ السَّفَرِ تَخْصِيصُ كُلِّ مَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ السَّفَرِ فَيَسْتَمِرُّ الْإِشْكَالُ فِي يَمِينِ الْمُسَاكَنَةِ وَالْخُرُوجِ وَقَدْ أَنْكَرَ هَذِهِ مَنْ ذَكَرْنَا.

وَلَا يُجَابُ بِمَا ذُكِرَ فِي الذَّخِيرَةِ جَوَابًا عَنْ إيرَادِ قَائِلٍ لَوْ صَحَّتْ نِيَّةُ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ فَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانُ نَوْعٍ لَا بَيَانُ تَخْصِيصٍ كَانَ يَجِبُ أَنْ يُصَدَّقَ فِي الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْخُرُوجِ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ قُلْنَا نِيَّةُ الشِّرَاءِ لِنَفْسِهِ بَيَانُ نَوْعٍ مِنْ وَجْهٍ وَتَخْصِيصٌ عَامٌّ مِنْ وَجْهٍ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ سَوَاءٌ فِي حَقِّ الْحُقُوقِ، فَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ هُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَلَهُ عُمُومٌ، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا كَانَ تَخْصِيصًا، وَلَكِنْ فِي حَقِّ الْمِلْكِ بَيَانُ نَوْعٍ لِأَنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ فِي حَقِّ الْمِلْكِ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا فَقُلْنَاهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ بَيَانُ نَوْعٍ يَصِحُّ هَذَا الْبَيَانُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الِاسْمُ مَلْفُوظًا، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ تَخْصِيصٌ لَمْ يَجُزْ فِي الْقَضَاءِ.

وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ أَنْتِ بَائِنٌ يَصِحُّ نِيَّةً أَيَّ أَنْوَاعِ الْبَيْنُونَةِ شَاءَ مِنْ عِصْمَةِ النِّكَاحِ وَغَيْرِهَا لِأَنَّ الْأَعَمَّ فِي الْإِثْبَاتِ لَا يَعُمُّ اسْتِغْرَاقًا. بِخِلَافِهِ فِي النَّفْيِ لَوْ قُلْت رَأَيْت رَجُلًا لَا يَعُمُّ أَصْنَافَ الرِّجَالِ اسْتِغْرَاقًا بِخِلَافِ مَا رَأَيْت رَجُلًا.

(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ لَا يَشْرَبُ مِنْ دِجْلَةَ فَشَرِبَ مِنْهَا بِإِنَاءٍ لَمْ يَحْنَثْ حَتَّى يَكْرَعَ مِنْهَا كَرْعًا) أَيْ يَتَنَاوَلَ بِفَمِهِ مِنْ نَفْسِ النَّهْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ: يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، أَمَّا إذَا نَوَى بِإِنَاءٍ حَنِثَ بِهِ إجْمَاعًا، وَقَالَا: إنْ شَرِبَ مِنْهَا كَيْفَمَا شَرِبَ بِإِنَاءٍ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ كَرْعًا حَنِثَ لَا فَرْقً بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ قَوْلِهِ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ حَيْثُ يَحْنَثُ بِالشُّرْبِ مِنْ مَائِهَا بِإِنَاءٍ أَوْ كَرْعًا فِي دِجْلَةَ أَوْ نَهْرٍ آخَرَ يَأْخُذُ مِنْ دِجْلَةَ لِأَنَّ نِسْبَةَ الْمَاءِ إلَيْهَا ثَابِتَةٌ فِي جَمْعِ هَذِهِ الصُّوَرِ.

وَقَوْلُهُمَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَجْهُهُ أَنَّهُ هُوَ الْمُتَعَارَفُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِنَا شَرِبَتْ مِنْ دِجْلَةَ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مَجَازًا إمَّا مَجَازُ حَذْفٍ، أَيْ مِنْ مَاءِ دِجْلَةَ، أَوْ مَجَازُ عَلَاقَةٍ بِأَنْ يُعَبِّرَ بِدِجْلَةَ عَنْ مَائِهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ مَجَازِ الْحَذْفِ لِأَكْثَرِيَّتِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَلِشُهْرَةِ جَرْيِ النَّهْرِ مُقَرِّرِينَ لَهُ بِأَنَّ عَلَاقَتَهُ الْمُجَاوَرَةُ، ثُمَّ هُوَ أَشْهَرُ مِنْ أَنْ يُرَادَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>