فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ بَيْنَ الْمُطْلَقِ وَالْمُوَقَّتِ. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ التَّوْقِيتَ لِلتَّوْسِعَةِ فَلَا يَجِبُ الْفِعْلُ إلَّا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فَلَا يَحْنَثُ قَبْلَهُ، وَفِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ وَقَدْ عَجَزَ فَيَحْنَثُ فِي الْحَالِ وَهُمَا فَرَّقَا بَيْنَهُمَا. وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ فِي الْمُطْلَقِ يَجِبُ الْبِرُّ كَمَا فُرِغَ، فَإِذَا فَاتَ الْبِرُّ بِفَوَاتِ مَا عُقِدَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ يَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ كَمَا إذَا مَاتَ الْحَالِفُ وَالْمَاءُ بَاقٍ؛ أَمَّا فِي الْمُؤَقَّتِ فَيَجِبُ الْبِرُّ فِي الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الْوَقْتِ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَمْ تَبْقَ مَحَلِّيَّةُ الْبِرِّ لِعَدَمِ التَّصَوُّرِ فَلَا يَجِبُ الْبِرُّ فِيهِ فَتَبْطُلُ الْيَمِينُ كَمَا إذَا عَقَدَهُ ابْتِدَاءً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ.
الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ.
فَإِنَّ الْحَلِفَ كَانَ عَلَى الْمَاءِ الْكَائِنِ فِيهِ حَالَ الْحَلِفِ وَلَا مَاءَ فِيهِ إذْ ذَاكَ فَلِذَا لَا يَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا. وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَيَأْكُلَن هَذَا الرَّغِيفَ الْيَوْمَ فَأَكَلَ قَبْلَ اللَّيْلِ أَوْ لَيَقْضِيَن فُلَانًا دِينَهُ غَدًا وَفُلَانٌ قَدْ مَاتَ وَلَا عِلْمَ لَهُ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْغَدِ أَوْ قَضَاهُ قَبْلَهُ أَوْ أَبْرَأهُ فُلَانٌ قَبْلَهُ لَمْ تَنْعَقِدْ عِنْدَهُمَا وَانْعَقَدَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ﵀. وَكَذَا لَوْ قَالَ لِزَيْدٍ إنْ رَأَيْت عَمْرًا فَلَمْ أُعْلِمْك فَعَبْدِي حُرٌّ فَرَآهُ زَيْدٌ فَسَكَتَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا أَوْ قَالَ هُوَ عَمْرٌو لَا يُعْتَقُ عِنْدَهُمَا لِفَوَاتِ الْإِعْلَامِ فَلَمْ تَبْقَ الْيَمِينُ، وَعِنْدَهُ يُعْتَقُ لِبَقَاءِ الْيَمِينِ وَفَوَاتِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ.
وَكَذَا إذَا حَلَفَ لَا يُعْطِيهِ حَتَّى يَأْذَنَ فُلَانٌ فَمَاتَ فُلَانٌ ثُمَّ أَعْطَاهُ لَمْ يَحْنَثْ خِلَافًا لَهُ، وَكَذَا لَيَضْرِبَنهُ أَوْ لَيُكَلِّمَنهُ. وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا تُعْقَدُ لِلْبِرِّ حَمْلًا أَوْ مَنْعًا أَوْ لِإِظْهَارِ مَعْنَى الصِّدْقِ فَكَانَ مَحِلُّهَا خَبَرًا يُمْكِنُ فِيهِ الْبِرُّ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فَاتَ وَلَا انْعِقَادَ إلَّا فِي مَحِلِّهَا، وَإِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ فَلَا حِنْثَ، وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ أَمْكَنَ اعْتِبَارُهَا مُنْعَقِدَةً لِلْبِرِّ عَلَى وَجْهٍ يَظْهَرُ فِي الْخُلْفِ وَهُوَ الْكَفَّارَةُ كَمَا قُلْنَا فِي الْحَلِفِ عَلَى مَسِّ السَّمَاءِ أَوْ لَيَقْلِبَن هَذَا الْحَجَرَ ذَهَبًا حَيْثُ يَنْعَقِدُ مَعَ اسْتِحَالَتِهِ عَادَةً، ثُمَّ يَحْنَثُ فِي الْحَالِ لِمَا قُلْنَا.
قُلْنَا لَا بُدَّ مِنْ تَصَوُّرِ الْأَصْلِ لِيَنْعَقِدَ فِي حَقِّ الْخُلْفِ لِأَنَّهُ فَرْعُ الْأَصْلِ فَيَنْعَقِدُ أَوَّلًا فِي حَقِّهِ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْخُلْفِ لِلْعَجْزِ الظَّاهِرِ، وَلِذَا لَمْ تَنْعَقِدْ الْغَمُوسُ مُوجِبَةً لِلْكَفَّارَةِ حَيْثُ كَانَ لِلْبِرِّ مُسْتَحِيلًا فِيهَا، وَلَوْ كَانَتْ الْيَمِينُ مُطْلَقَةً عَنْ الْوَقْتِ بِأَنْ لَمْ يَذْكُرْ الْيَوْمَ فَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْكُوزِ مَاءٌ لَا يَحْنَثُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ انْعِقَادِهَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحْنَثُ لِلْحَالِ، وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ فِيهِ مَاءٌ فَأُهْرِيقَ يَحْنَثُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا (قَوْلُهُ فَأَبُو يُوسُفَ فَرَّقَ إلَخْ) لَا شَكَّ أَنَّ هُنَا أَرْبَعُ صُوَرٍ: صُورَتَانِ فِي الْمُقَيَّدَةِ بِالْيَوْمِ أَوْ وَقْتٍ آخَرَ جُمُعَةٍ أَوْ شَهْرٍ وَهُمَا أَنْ يَكُونَ فِي الْكُوزِ مَاءٌ وَقْتَ الْحَلِفِ وَأَنْ لَا يَكُونَ، وَصُورَتَانِ فِي الْمُطْلَقَةِ عِنْدَهُمَا هَاتَانِ أَيْضًا؛ فَفِي الْمُقَيَّدَةِ وَلَا مَاءَ لَا تَنْعَقِدُ عِنْدَهُمَا لِعَدَمِ تَصَوُّرِ الْبِرِّ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْحِنْثُ وَتَنْعَقِدُ عِنْدَهُ وَيَحْنَثُ لِلْحَالِ لِلْعَجْزِ الدَّائِمِ عَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute