وَالصِّدِّيقِ. قَالَ فِي الزِّيَادَاتِ: لِأَنَّ هَذِهِ الْإِضَافَةِ لِلتَّعْرِيفِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَالصَّدِيقَ مَقْصُودَانِ بِالْهِجْرَانِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ. وَوَجْهُ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ غَرَضُهُ هِجْرَانَهُ لِأَجْلِ الْمُضَافِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَا يَحْنَثُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِضَافَةِ بِالشَّكِّ (وَإِنْ كَانَتْ يَمِينُهُ عَلَى عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَنْ
يَقْصِدَانِ بِالْهَجْرِ لِأَنْفُسِهَا لَا لِغَيْرِهِمَا، فَكَانَتْ الْإِضَافَةُ لِمُجَرَّدِ تَعْرِيفِ الذَّاتِ الْمَهْجُورَةِ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا أَوْ وُجُودُهَا وَقْتَ الْفِعْلِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ أَيْ الْهَجْرُ بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْإِشَارَةِ، فَإِنَّهُ إذَا قَالَ زَوْجَةُ فُلَانٍ هَذِهِ وَنَحْوهَا مِمَّا إضَافَتُهُ إضَافَةَ نِسْبَةٍ فَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ يَحْنَثُ بِكَلَامِهِ بَعْدَ انْقِطَاعِهَا كَمَا سَيُذْكَرُ وَجْهُ الْمَذْكُورِ فِي الْجَامِعِ. لِأَبِي حَنِيفَةَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْهَجْرَ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْوَجْهِ، وَأَقَلُّ مَا فِي الْبَابِ جَوَازُ كَوْنِ هَجْرِهِ لِنَفْسِهِ وَأَنْ يَكُونَ لِلْمُضَافِ إلَيْهِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَحْنَثُ وَعَلَى الثَّانِي لَا فَلَا يَحْنَثُ بِالشَّكِّ، فَظَهَرَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّهُ مَتَى عَقَدَ يَمِينَهُ عَلَى فِعْلٍ فِي مَحَلٍّ مَنْسُوبٍ إلَى الْغَيْرِ بِالْمِلْكِ يُرَاعَى لِلْحِنْثِ وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ وُجُودِ الْفِعْلِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِالنِّسْبَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ إذَا لَمْ تُوجَدْ وَقْتَ الْفِعْلِ، وَإِنْ كَانَ مَنْسُوبًا إلَى الْغَيْرِ لَا بِالْمِلْكِ يُرَاعَى وُجُودُ النِّسْبَةِ وَقْتَ الْيَمِينِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِهَا وَقْتَ الْفِعْلِ.
ثُمَّ وَجَّهَ الْفَرْقَ بِأَنَّ فِي إضَافَةِ الْمِلْك الْحَامِلِ عَلَى الْيَمِينِ مَعْنًى فِي الْمَالِكِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تُعَادَى لَعَيْنِهَا. وَفِي إضَافَةِ النِّسْبَةِ مَعْنًى فِيهِمْ لِأَنَّ الْأَذَى يُتَصَوَّرُ مِنْهُمْ. وَاسْتُشْكِلَ بِأَنَّ الْعَبْدَ يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْأَذَى. أُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ سِمَاعَةَ ذَكَرَ فِي نَوَادِرِهِ أَنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِهَذَا. وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْعَبْدَ سَاقِطُ الِاعْتِبَارِ عِنْدَ الْأَحْرَارِ فَإِنَّهُ يُبَاعُ فِي الْأَسْوَاقِ كَالْحِمَارِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْهُ أَذًى إنَّمَا يُقْصَدُ هِجْرَانُ سَيِّدِهِ بِهِجْرَانِهِ.
وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَعْنِي هَذَا الْأَصْلَ لَا يَصِحُّ إلَّا لِمُحَمَّدٍ فَقَطْ، فَإِطْلَاقُ جَعْلِهِ أَصْلًا لِهَذِهِ الْمَسَائِلِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَيْهِ يُوهِمُ الِاتِّفَاقَ عَلَيْهِ، أَوْ أَنَّهُ الْأَصْلُ لِصَاحِبِ الْمَذْهَبِ. هَذَا، وَرُوِيَ أَنَّ هِشَامًا أَخْبَرَ أَنَّ مُحَمَّدًا رَجَعَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ: لَا يَحْنَثُ هَذَا إذَا لَمْ يُعَيِّنْهُ فَلَمْ يَذْكُرْ الْإِشَارَةَ، فَأَمَّا إنْ عَيَّنَهُ فَذَكَرَ الْإِشَارَةَ بِأَنْ قَالَ عَبْدُ فُلَانٍ هَذَا أَوْ دَارُهُ هَذِهِ أَوْ امْرَأَتُهُ هَذِهِ أَوْ صَدِيقُهُ هَذَا فَبَاعَ الْعَبْدَ وَالدَّارَ وَطَلَّقَ وَعَادَى فَكَلَّمَهُ وَدَخَلَ لَمْ يَحْنَثْ فِي الْمَمْلُوكِ مِنْ الْعَبْدِ وَالدَّارِ وَحَنِثَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَرْأَةِ وَالصَّدِيقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبَى يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ يَحْنَثُ فِي الْكُلِّ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ، لِأَنَّ الْإِضَافَةَ فِي الْكُلِّ لِلتَّعْرِيفِ كَمَا قَدَّمْنَا، وَالْإِشَارَةُ أَبْلَغُ مِنْهَا فِيهِ لِكَوْنِهَا قَاطِعَةً لِلشَّرِكَةِ، بِخِلَافِ التَّعْرِيفِ الْآخَرِ فَلَزِمَ اعْتِبَارُهَا وَسُقُوطُ الْأُخْرَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute