(وَكَذَا الْجَوَابُ عِنْدَهُ فِي الْجُمَعِ وَالسِّنِينَ) وَعِنْدَهُمَا يَنْصَرِفُ إلَى الْعُمُرِ لِأَنَّهُ لَا مَعْهُودَ دُونَهُ
(وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ﵀ عَشَرَةُ أَيَّامٍ) لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْأَيَّامِ، وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ. وَقِيلَ لَوْ كَانَ الْيَمِينُ بِالْفَارِسِيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَى سَبْعَةِ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ يُذْكَرُ فِيهَا بِلَفْظِ الْفَرْدِ دُونَ الْجَمْعِ.
دُونَهَا حَقِيقَةً فِي حَالَيْنِ وَلِمَا فَوْقَهَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّمَا قَالُوا هَذَا فِي بَعْضِ أَسْمَاءِ الْجُمُوعِ أَنَّهُ يُطْلَقُ مِنْ الثَّلَاثَةِ إلَى الْعَشَرَةِ كَمَا فِي رَهْطٍ وَذَوْدٍ وَنَفَرٍ إلَى آخَرِ مَا ذَكَرَهُ وَلَمْ يُعْلَمْ أَنَّ الْإِضَافَةَ فِي قَوْلِ الْخَبَّازِيِّ اسْمُ الْجَمْعِ بَيَانِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى الِاسْمُ الَّذِي هُوَ الْجَمْعُ، وَمِثْلُ هَذَا فِي عِبَارَاتِ جَمِيعِ أَهْلِ الْفُنُونِ أَكْثَرَ وَأَشْهَرَ مِنْ أَنْ يَخْفَى عَلَى نَاظِرٍ فِي الْعِلْمِ، فَحَاصِلُ كَلَامِ الْخَبَّازِيِّ أَنَّ الْجَمْعَ فِي الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا أَثْبَتُ مِنْهُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْأَوَّلَ يُرَادُ بِهِ فِي حَالَتَيْنِ وَالثَّانِي فِي حَالَةٍ، يَعْنِي فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى مَا عُهِدَ لَهُ فِي الْحَالَتَيْنِ عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَيَّنِ لَازِمًا، وَحَقِيقَةُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي مَبْدَإِ التَّقْرِيرِ شَرْحٌ لَهُ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
نَعَمْ لِقَائِلٍ أَنْ يُرَجِّحَ قَوْلَهُمَا فِي الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ بِأَنَّ عَهْدَهُمَا أَعْهَدُ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَهْدِيَّةَ الْعَشَرَةِ إنَّمَا هُوَ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى مَادَّةٍ خَاصَّةٍ: يَعْنِي الْجَمْعَ مُطْلَقًا عَهْدٌ لِلْعَشَرَةِ، فَإِذَا عَرَضَ فِي خُصُوصِ مَادَّةٍ مِنْ الْجَمْعِ كَالْأَيَّامِ عَهْدِيَّةَ عَدَدٍ غَيْرِهِ كَانَ اعْتِبَارُ هَذَا الْمَعْهُودِ أَوْلَى، وَقَدْ عُهِدَ فِي الْأَيَّامِ السَّبْعَةِ وَفِي الشُّهُورِ الِاثْنَيْ عَشَرَ فَيَكُونُ صَرْفُ خُصُوصِ هَذَيْنِ الْجَمْعَيْنِ إلَيْهِمَا أَوْلَى، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا مِنْ الْجُمُوعِ كَالسِّنِينَ وَالْأَزْمِنَةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُعْهَدْ فِي مَادَّتَيْهِمَا عَدَدٌ آخَرُ فَيُصْرَفُ إلَى مَا اسْتَقَرَّ لِلْجَمْعِ مُطْلَقًا مِنْ إرَادَةِ الْعَشَرَةِ فَمَا دُونَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ مُغَالَطَةٌ فَإِنَّ السَّبْعَةَ الْمَعْهُودَةَ نَفْسُ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ الْمُسَمَّاةِ بِيَوْمِ السَّبْتِ وَيَوْمِ الْأَحَدِ إلَى آخِرِهِ، وَالْكَلَامُ فِي لَفْظِ أَيَّامٍ إذَا أُطْلِقَ عَلَى عَهْدٍ مِنْهُ تِلْكَ الْأَزْمِنَةِ الْخَاصَّةِ لِلسَّبْعَةِ لَا شَكَّ فِي عَدَمِ ثُبُوتِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ كَثْرَةُ إطْلَاقِ لَفْظِ أَيَّامٍ وَشُهُورٍ وَيُرَادُ بِهِ يَوْمُ السَّبْتِ وَالْأَحَدِ إلَى الْجُمُعَةِ وَالْمُحَرَّمِ وَصَفَرَ إلَى آخِرِهَا عَلَى الْخُصُوصِ، بَلْ الْأَزْمِنَةُ الْخَاصَّةُ الْمُسَمَّيَاتُ مُتَكَرِّرَةٌ وَغَيْرُ مُتَكَرِّرَةٍ وَغَيْرُ بَالِغَةٍ السَّبْعَةِ بِحَسَبِ الْمُرَادَاتِ لِلْمُتَكَلِّمِينَ، فَالْجَوَابُ مَنْعُ تَوَقُّفِ انْصِرَافِ اللَّامِ إلَى الْعَهْدِ عَلَى تَقَدُّمِ الْعَهْدِ عَنْ لَفْظِ النَّكِرَةِ بَلْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، بَلْ لَا فَرْقَ بَيْنَ تَقَدُّمِ الْعَهْدِ بِالْمَعْنَى عَنْ اللَّفْظِ أَوْ لَا عَنْهُ فَإِنَّهُ إذَا صَارَ الْمَعْنَى مَعْهُودًا بِأَيِّ طَرِيقِ فَرْضٍ ثُمَّ أُطْلِقَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لَهُ مُعَرَّفًا بِاللَّامِ انْصَرَفَ إلَيْهِ.
وَقَدْ قَسَّمَ الْمُحَقِّقُونَ الْعَهْدَ إلَى ذِكْرِي وَعِلْمِي وَمَثَّلَ لِلثَّانِي بِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ﴾ فَإِنَّ ذَاتَ الْغَارِ هِيَ الْمَعْهُودَةُ لَا مِنْ لَفْظٍ سَبَقَ ذِكْرُهُ بَلْ مِنْ وُجُودٍ فِيهِ، وَعَلَى هَذَا فَيَجِبُ جَعْلُ مَا سَمَّاهُ طَائِفَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ بِالْعَهْدِ الْخَارِجِيِّ أَعَمُّ مِمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ عَهْدٌ بِغَيْرِهِ كَمَا ذَكَرْنَا. وَنَظِيرُ هَذَا قَوْلُنَا الْعَامُّ يَخُصُّ بِدَلَالَةِ الْعَادَةِ، فَإِنَّ الْعَهْدَ لَيْسَتْ إلَّا عَمَلًا عُهِدَ مُسْتَمِرًّا ثُمَّ يُطْلَقُ اللَّفْظُ الَّذِي يَعُمُّهَا وَغَيْرُهَا فَيُقَيَّدُ بِهَا لِعَهْدِيَّتِهَا عَمَلًا لَا لَفْظًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ
(قَوْلُهُ وَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ إنْ خَدَمْتنِي أَيَّامًا كَثِيرَةً فَأَنْتَ حُرٌّ فَالْأَيَّامُ الْكَثِيرَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَا تَنَاوَلَهُ اسْمُ الْأَيَّامِ) عَلَى الْيَقِينِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَقَالَا: سَبْعَةُ أَيَّامٍ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَيْهَا تَكْرَارٌ) وَقَدْ يُقَالُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ أَنَّ الْكَثْرَةَ بِالدُّخُولِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute