يَتِمُّ بِهِ، أَمَّا الْبَيْعُ فَمُعَاوَضَةٌ فَاقْتَضَى الْفِعْلَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ
(وَمَنْ حَلَفَ
فِي الْجُزْءِ، فَلَوْ دَلَّ صِحَّةُ قَوْلِ الْقَائِلِ وَهَبْت فَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى أَنَّ وَضْعَ لَفْظِ الْهِبَةِ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ دَلَّ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ: بِعْته فَلَمْ يَقْبَلْ عَلَى أَنَّ الْبَيْعَ لِمُجَرَّدِ الْإِيجَابِ وَالْإِثْبَاتِ. وَأَمَّا الِاسْتِدْلَال بِقَوْلِ الصِّدِّيقِ لِعَائِشَةَ ﵄: كُنْت نَحَلْتُك عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِ الْعَالِيَةِ وَإِنَّك لَمْ تَكُونِي حُزْتِيهِ. فَسَمَّاهُ نِحْلًى قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِنَّمَا يَنْتَهِضُ عَلَى إحْدَى رِوَايَتَيْ زُفَرَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ فِيهِ الْقَبْضُ أَيْضًا، وَلَسْنَا نُصَحِّحُهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْمَجْمُوعُ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، وَالْقَبْضُ شَرْطُ الْحُكْمِ لَا مِنْ تَمَامِ السَّبَبِ وَمُسَمَّى اللَّفْظِ.
وَأَمَّا الْوَجْهُ الْقَائِلُ: إنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْهِبَةِ إظْهَارُ السَّمَاحَةِ وَهُوَ يَتِمُّ بِالْإِيجَابِ: يَعْنِي فَالظَّاهِرُ أَنَّ الِاسْمَ بِإِزَاءِ مَا يَتِمُّ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْعَقْدِ فَلَا يَخْفَى أَنَّهُ غَيْرُ لَازِمٍ، وَإِلَّا كَانَتْ أَسْمَاءُ الْأُمُورِ الَّتِي لَهَا غَايَاتٌ أَسْمَاءً لِتِلْكَ الْغَايَاتِ. وَأَيْضًا فَقَصْدُ الْإِظْهَارِ لِلسَّمَاحَةِ هُوَ عَيْنُ الْمُرَاءَاةِ، وَلَا يَنْبَغِي حَمْلُ فِعْلِ جَمِيعِ الْعُقَلَاءِ عَلَيْهِ، بَلْ اللَّازِمُ كَوْنُ الْمَقْصُودِ مِنْهَا وُصُولَ النَّفْعِ لِلْحَبِيبِ وَالْفَقِيرِ الْأَجْنَبِيِّ، وَهَذَا أَلْيَقُ أَنْ يُجْعَلَ مَقْصُودًا لِلْعُقَلَاءِ فَيَجِبُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ، وَعَلَى اعْتِبَارِهِ لَا يَتَحَقَّقُ الْوُصُولُ إلَّا بِمَجْمُوعِ الْقَبُولِ وَالْإِيجَابِ، وَأَقَرَّ بِهَا أَنَّهُ اسْمٌ لِلتَّبَرُّعِ كَمَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ. وَالِاسْتِدْلَالُ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ عَقْدُ تَبَرُّعٍ فَيَتِمُّ بِالْمُتَبَرِّعِ وَإِنْ كَانَ تَمَامُ السَّبَبِ يَتَوَقَّفُ عَلَى شَيْءٍ آخَرَ، فَهُوَ اسْمٌ لِجُزْءِ السَّبَبِ إنْ سَلِمَ هَذَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْقَرْضُ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ قَبُولَ الْمُسْتَقْرِضِ لَا بُدَّ مِنْهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْقَرْضَ فِي حُكْمِ الْمُعَاوَضَةِ، فَلَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي فُلَانٌ أَلْفًا فَلَمْ أَقْبَلْ لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ. وَنُقِلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيهِ رِوَايَتَانِ. وَالْإِبْرَاءُ يُشْبِهُ الْبَيْعَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُفِيدُ الْمِلْكَ بِاللَّفْظِ دُونَ قَبْضٍ. وَالْهِبَةُ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ بِلَا عِوَضٍ، وَلِهَذَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّ فِي الْقَرْضِ وَالْإِبْرَاءِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا، وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ فِيهَا كَالْهِبَةِ.
قِيلَ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَلْحَقَ الْإِبْرَاءُ الْهِبَةَ لِعَدَمِ الْعِوَضِ، وَالْقَرْضُ بِالْبَيْعِ لِلْعِوَضِ. وَاعْلَمْ أَنَّ الْإِبْرَاءَ لَهُ شَبَهَانِ: شَبَهٌ بِالْإِسْقَاطِ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَصْفٌ فِي الذِّمَّةِ لَا عَيْنُ مَالٍ، فَبِاعْتِبَارِهِ قُلْنَا لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبُولِ. وَشَبَهٌ بِالتَّمْلِيكَاتِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ مَآلَهُ إلَى عَيْنِ الْمَالِ حَتَّى جَرَتْ أَحْكَامُ الْمَالِ عَلَيْهِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَلِهَذَا قُلْنَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَلَا يُقْبَلُ التَّعْلِيقُ، وَلَا يُعْلَمُ خِلَافٌ فِي أَنَّ الِاسْتِقْرَاضَ كَالْهِبَةِ. [فُرُوعٌ] حَلَفَ لَا يُوصِي بِوَصِيَّةٍ فَوَهَبَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ لَا يَحْنَثُ، وَكَذَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ فِي مَرَضِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ، وَلَوْ حَلَفَ لَيَهَبَنَّهُ الْيَوْمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَوَهَبَهُ مِائَةً لَهُ عَلَى آخَرَ وَأَمَرَهُ بِقَبْضِهَا بَرَّ، وَلَوْ مَاتَ الْوَاهِبُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَوْهُوبِ لَهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ قَبْضِهِ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ مِلْكًا لِلْوَرَثَةِ. وَفِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ أَنَّ الْإِبَاحَةَ وَالْوَصِيَّةَ وَالْإِقْرَارَ وَالِاسْتِخْدَامَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ مِنْ الْآخَرِ. وَلَوْ قَالَ لِعَبْدٍ: إنْ وَهَبَك فُلَانٌ مِنِّي فَأَنْتَ حُرٌّ فَوَهَبَهُ مِنْهُ إنْ كَانَ الْعَبْدُ فِي يَدِ الْوَاهِبِ لَا يَعْتِقُ سَلَّمَهُ إلَيْهِ أَوْ لَا، وَإِنْ كَانَ وَدِيعَةً فِي يَدِ الْمَوْهُوبِ لَهُ إنْ بَدَأَ الْوَاهِبُ فَقَالَ: وَهَبْتُكَهُ لَا يُعْتَقُ قَبِلَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ، وَإِنْ بَدَأَ الْمَوْهُوبُ لَهُ فَقَالَ وُهِبْتُهُ مِنْك عَتَقَ. وَلَوْ حَلَفَ لَا يَهَبُ عَبْدَهُ مِنْ فُلَانٍ فَوَهَبَهُ لَهُ أَجْنَبِيٌّ فَأَجَازَ الْحَالِفُ الْهِبَةَ حَنِثَ كَذَا رَوَاهُ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ. وَلَا يَهَبُ عَبْدَهُ لِفُلَانٍ فَوَهَبَهُ لَهُ عَلَى عِوَضٍ حَنِثَ. حَلَفَ لَا يَسْتَدِينُ دَيْنًا فَتَزَوَّجَ لَا يَحْنَثُ.
وَلَوْ حَلَفَ لَا يُشَارِكُهُ ثُمَّ شَارَكَهُ بِمَالٍ ابْنِهِ الصَّغِيرِ فَالشَّرِيكُ هُوَ الِابْنُ لَا الْأَبُ؛ لِأَنَّهُ لَا رِبْحَ لِلْأَبِ فِي الْمَالِ، وَتَنْعَقِدُ يَمِينُ نَفْيِ الشَّرِكَةِ عَلَى مَا عَلَيْهِ عَادَاتُ النَّاسِ مِنْ الشَّرِكَةِ فِي التِّجَارَاتِ دُونَ الْأَعْيَانِ، فَلَوْ اشْتَرَيَا عَبْدًا لَمْ يَحْنَثْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ: لَا يَكُونُ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَرِكَةٌ فِي شَيْءٍ حَيْثُ يَحْنَثُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَرِثَا شَيْئًا لَا يَحْنَثُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشَارِكْهُ مُخْتَارًا إنَّمَا لَزِمَهُ حُكْمًا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ
(قَوْلُهُ وَمَنْ حَلَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute