(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَهِيَ بِكْرٌ دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَعَنْهُمْ)؛ لِأَنَّ الزِّنَا لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ بَقَاءِ الْبَكَارَةِ، وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّ النِّسَاءَ نَظَرْنَ إلَيْهَا فَقُلْنَا إنَّهَا بِكْرٌ، وَشَهَادَتُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ وَلَيْسَتْ بِحُجَّةٍ فِي إيجَابِهِ فَلِهَذَا سَقَطَ الْحَدُّ عَنْهُمَا وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ
(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ) وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ الْمَالُ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدُّ وَهُمْ لَيْسُوا
إنِّي لِحَلِفِك بِالصَّلِيبِ مُصَدِّقٌ … وَالصَّلْبُ أَصْدَقُ حَلْفَةِ الرُّهْبَانِ
وَكَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ تَدْخُلُ عَلَيْهِ وَيَسْأَلُهَا فَسَأَلَهَا يَوْمًا عَنْ حَالِهَا فَقَالَتْ:
فَبَيْنَا نَسُوسُ النَّاسَ وَالْأَمْرُ أَمْرُنَا … إذَا نَحْنُ فِيهِمْ سُوقَةٌ نَنْتَصِفُ
فَأُفٍّ لِدُنْيَا لَا يَدُومُ نَعِيمُهَا … تُقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتُصَرَّفُ
ذَكَرَ هَذَا ابْنُ الشَّجَرِيِّ فِي أَمَالِيهِ عَلَى الْقَصِيدَةِ الْمَنَازِلِيَّةِ لِلشَّرِيفِ الرَّضِيِّ الَّتِي أَوَّلُهَا:
مَا زِلْت أَطْرُقُ الْمَنَازِلَ بِاللَّوَى … حَتَّى نَزَلْت مَنَازِلَ النُّعْمَانِ
عِنْدَ قَوْلِهِ:
وَلَقَدْ رَأَيْت بِدَيْرِ هِنْدٍ مَنْزِلًا … أَلْمَى مِنْ الضَّرَّاءِ وَالْحِدْثَانِ
أَغْضَى كَمُسْتَمِعِ الْهَوَانِ تَغَيَّبَتْ … أَنْصَارُهُ وَخَلَا عَنْ الْأَعْوَانِ
بَالِي الْمَعَالِمِ أَطْرَقْت شُرُفَاتُهُ … إطْرَاقَ مُنْجَذِبِ الْقَرِينَةِ عَانِ
وَذَكَرْت مَسْحَبَهَا الرِّيَاطَ بِجَوِّهِ … مِنْ قَبْلِ بَيْعِ زَمَانِهَا بِزَمَانِ
وَبِمَا تَرُدُّ عَلَى الْمُغِيرَةِ دَهْيَهُ … نَزْعَ النَّوَارِ بَطِيئَةَ الْإِذْعَانِ
وَالنَّوَارُ مِنْ النِّسَاءِ الَّتِي تَنْفِرُ مِنْ الرِّيبَةِ، يُقَالُ نَارَتْ الْمَرْأَةُ تَنُورُ نُورًا إذَا نَفَرَتْ عَنْ الْقَبِيحِ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا وَهِيَ بِكْرٌ) بِأَنْ نَظَرَ النِّسَاءُ إلَيْهَا فَقُلْنَ هِيَ بِكْرٌ (دُرِئَ الْحَدُّ عَنْهُمَا) أَيْ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالزِّنَا (وَعَنْهُمْ) أَيْ وَيُدْرَأُ حَدُّ الْقَذْفِ عَنْ الشُّهُودِ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ، وَعِنْدَ مَالِكٍ تُحَدُّ الْمَرْأَةُ وَالرَّجُلُ، أَمَّا الدَّرْءُ عَنْهُمَا فَلِظُهُورِ كَذِبِ الشُّهُودِ إذْ لَا بَكَارَةَ مَعَ الزِّنَا، وَقَوْلُ النِّسَاءِ حُجَّةٌ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ فَتَثْبُتُ بَكَارَتُهَا بِشَهَادَتِهِنَّ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ سُقُوطُ الْحَدِّ. وَالْوَجْهُ أَنْ يُقَالَ: إنْ لَمْ تُعَارِضْ شَهَادَتُهُنَّ شَهَادَتَهُمْ تَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِنَّ بَكَارَتُهَا، وَهُوَ لَا يَسْتَلْزِمُ عَدَمَ الزِّنَا لِجَوَازِ أَنْ تَعُودَ الْعُذْرَةُ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا فَلَا يُعَارِضُ شَهَادَةَ الزِّنَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الْحَدُّ، وَإِنْ عَارَضَتْ بِأَنْ لَا يَتَحَقَّقَ عَوْدُ الْعُذْرَةِ يَجِبُ أَنْ تَبْطُلَ شَهَادَتُهُنَّ لِأَنَّهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ شَهَادَتِهِمْ. قُلْنَا: سَوَاءٌ انْتَهَضَتَ مُعَارَضَةٌ أَوْ لَا لَا بُدَّ أَنْ تُورَثَ شُبْهَةٌ بِهَا يَنْدَرِئُ، وَلِذَا يَسْقُطُ بِقَوْلِهِنَّ هِيَ رَتْقَاءُ أَوْ قَرْنَاءُ وَيَقِلُّ فِي ذَلِكَ قَوْلُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، وَأَمَّا عَنْ الشُّهُودِ فَلِتَكَامُلِ عَدَدِهِمْ فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ الْحَدُّ بِشَهَادَتِهِمْ لِقَوْلِهِنَّ فَقَوْلُهُنَّ حُجَّةٌ فِي إسْقَاطِ الْحَدِّ لَا فِي إيجَابِهِ. وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَمْ يُقْطَعْ بِكَذِبِهِمْ لِجَوَازِ صِدْقِهِمْ وَتَكُونُ الْعُذْرَةُ قَدْ عَادَتْ لِعَدَمِ الْمُبَالَغَةِ فِي إزَالَتِهَا بِالزِّنَا أَوْ لِكَذِبِهِنَّ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا وَهُمْ عُمْيَانٌ أَوْ مَحْدُودُونَ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمْ عَبْدٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ يُحَدُّ الشُّهُودُ وَلَا يُحَدُّ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ) الْأَصْلُ أَنَّ الشُّهُودَ بِاعْتِبَارِ التَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ أَنْوَاعٌ: