مِنْ أَهْلِ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ فَلَمْ تَثْبُتْ شُبْهَةُ الزِّنَا؛ لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ (وَإِنْ شَهِدُوا بِذَلِكَ وَهُمْ فُسَّاقٌ أَوْ ظَهَرَ أَنَّهُمْ فُسَّاقٌ لَمْ يُحَدُّوا)؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَاءِ وَالتَّحَمُّلِ وَإِنْ كَانَ فِي أَدَائِهِ نَوْعُ قُصُورٍ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ.
وَلِهَذَا لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِشَهَادَةِ فَاسِقٍ يَنْفُذُ عِنْدَنَا، وَيَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا، وَبِاعْتِبَارِ قُصُورٍ فِي الْأَدَاءِ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ يَثْبُتُ شُبْهَةُ عَدَمِ الزِّنَا فَلِهَذَا امْتَنَعَ الْحَدَّانِ، وَسَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ فَهُوَ كَالْعَبْدِ عِنْدَهُ
(وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ حُدُّوا)؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ لَا حِسْبَةَ عِنْدَ
أَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ وَالْأَدَاءِ عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ وَهُوَ الْحُرُّ الْبَالِغُ الْعَاقِلُ الْعَدْلُ. وَأَهْلٌ لَهُمَا عَلَى وَجْهِ الْقُصُورِ كَالْفُسَّاقِ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ وَمُقَابِلُ الْقِسْمَيْنِ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ وَلَا لِلْأَدَاءِ وَهُمْ الْعَبِيدُ وَالصِّبْيَانُ وَالْمَجَانِينُ وَالْكُفَّارُ. وَأَهْلٌ لِلتَّحَمُّلِ لَا الْأَدَاءِ كَالْمَحْدُودِينَ فِي قَذْفٍ وَالْعُمْيَانِ. فَالْأَوَّلُ يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِ وَتَثْبُتُ الْحُقُوقُ بِهَا، وَالثَّانِي يَجِبُ التَّوَقُّفُ فِيهَا لِيَظْهَرَ صِدْقُهُ أَوْ لَا فَلَا، وَالثَّالِثُ لَا شَهَادَةَ لَهُ أَصْلًا حَتَّى لَمْ يُعْتَبَرْ فِيمَا لَمْ يُعْتَبَرْ لِلْأَدَاءِ فَلَا يَصِحُّ النِّكَاحُ بِحُضُورِهِمَا وَشَهَادَتِهِمَا، وَالرَّابِعُ يُعْتَبَرُ فِي هَذَا فَصَحَّ النِّكَاحُ بِحُضُورِ الْعُمْيَانِ وَالْقَذَفَةِ وَلَوْ شَهِدُوا بَعْدَ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ.
إذَا عُرِفَ هَذَا فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ عَدَمُ الْحَدِّ لِلزِّنَا ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ هَؤُلَاءِ: أَيْ الْعُمْيَانِ وَالْمَحْدُودِينَ فِي الْقَذْفِ مَا يَثْبُتُ مَعَ الشُّبُهَاتِ كَالْمَالِ فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهَا مَا لَا يَثْبُتُ مَعَهَا مِنْ الْحُدُودِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْعُمْيَانَ وَالْمَحْدُودِينَ لَيْسُوا أَهْلًا لِلْأَدَاءِ، وَالْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا لِلتَّحَمُّلِ أَيْضًا فَلَمْ يَثْبُتْ بِشَهَادَتِهِمْ شُبْهَةُ الزِّنَا لِأَنَّ الزِّنَا يَثْبُتُ بِالْأَدَاءِ فَصَارُوا قَذَفَةً فَيُحَدُّونَ، بِخِلَافِ الْفُسَّاقِ إذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى الزِّنَا لَا يُحَدُّونَ، وَإِنْ لَمْ يُقْبَلُوا لِأَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْأَدَاءِ مَعَ قُصُورٍ، حَتَّى لَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِشَهَادَةِ الْفُسَّاقِ نَفَذَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فَاحْتَطْنَا فِي الْحَدِّ فَسَقَطَ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الثُّبُوتِ وَعَنْ الشُّهُودِ لِثُبُوتِ شُبْهَةِ الثُّبُوتِ، وَيَأْتِي فِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ، وَكَذَا قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ
(قَوْلُهُ: وَإِنْ نَقَصَ عَدَدُ الشُّهُودِ عَنْ أَرْبَعَةٍ) بِأَنْ كَانُوا ثَلَاثَةً فَأَقَلَّ (حُدُّوا) حَدَّ الْقَذْفِ: يَعْنِي إذَا طَلَبَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ بِالزِّنَا ذَلِكَ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فَتَوَقَّفَ عَلَى طَلَبِهِ، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً﴾ وَحِينَ شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ ﵁ أَبُو بَكْرَةَ وَنَافِعُ بْنُ عَلْقَمَةَ وَشِبْلُ بْنُ مَعْبَدٍ وَلَمْ تَكْمُلْ بِشَهَادَةِ زِيَادٍ حُدَّ عُمَرَ ﵁ الثَّلَاثَةُ الشُّهُودِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَكَانَ إجْمَاعًا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute