نُقْصَانِ الْعَدَدِ وَخُرُوجِ الشَّهَادَةِ عَنْ الْقَذْفِ بِاعْتِبَارِهَا
(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَضُرِبَ بِشَهَادَتِهِمْ ثُمَّ وُجِدَ أَحَدُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ)؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ إذْ الشُّهُودُ ثَلَاثَةٌ (وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ أَرْشُ الضَّرْبِ، وَإِنْ رُجِمَ فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَا: أَرْشُ الضَّرْبِ أَيْضًا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ) قَالَ الْعَبْدُ الضَّعِيفُ عَصَمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ إذَا كَانَ جَرَحَهُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ مِنْ الضَّرْبِ، وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ. لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْجَارِحُ وَغَيْرُهُ فَيُضَافُ إلَى شَهَادَتِهِمْ فَيَضْمَنُونَ بِالرُّجُوعِ، وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ تَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي وَهُوَ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ فِي مَالِهِمْ فَصَارَ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ.
وَالْأَرْبَعَةُ إخْوَةٌ لِأُمٍّ وَاسْمُ أُمِّهِمْ سُمَيَّةُ. وَأَمَّا وَجْهُهُ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى فَلِأَنَّ اللَّفْظَ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ قَذْفٌ، وَإِنَّمَا يَخْرُجُ عَنْ حُكْمِ الْقَذْفِ إذَا اُعْتُبِرَ شَهَادَةً، وَلَا يُعْتَبَرُ شَهَادَةً إلَّا إذَا كَانُوا نِصَابًا
(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَضُرِبَ بِشَهَادَتِهِمْ إلَخْ) حَاصِلُهَا أَنَّهُ إذَا حُدَّ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ جَلْدًا فَجَرَحَهُ الْحَدُّ أَوْ مَاتَ مِنْهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ إيَّاهُ ثُمَّ ظَهَرَ بَعْضُ الشُّهُودِ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ أَوْ أَعْمَى أَوْ كَافِرًا فَإِنَّهُمْ يُحَدُّونَ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشُّهُودَ حِينَئِذٍ أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةٍ، وَمَتَى كَانُوا أَقَلَّ حُدُّوا حَدَّ الْقَذْفِ. ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَدِيَةُ النَّفْسِ فِيمَا إذَا مَاتَ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ﵀: لَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَلَا عَلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَلَوْ كَانَ الْحَدُّ الرَّجْمَ فَرُجِمَ ثُمَّ ظَهَرَ أَحَدُ الشُّهُودِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فَدِيَتُهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَعَلَى هَذَا إذَا رَجَعَ الشُّهُودُ) يَعْنِي بَعْدَ مَا ضُرِبَ فَجُرِحَ أَوْ مَاتَ (لَا يَضْمَنُونَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُونَ) أَرْشَ الْجِرَاحَةِ إنْ لَمْ يَمُتْ وَالدِّيَةَ إنْ مَاتَ. وَظَاهِرٌ أَنَّهُ لَا يَحْسُنُ كُلَّ الْحُسْنِ لَفْظ وَعَلَى هَذَا هُنَا لِأَنَّ مِثْلَهُ يُقَالُ إذَا كَانَ الْخِلَافُ فِي الْمُشَارِ إلَيْهَا كَالْخِلَافِ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَلَيْسَ هُنَا كَذَلِكَ فَإِنَّ ذَلِكَ الْخِلَافَ هُوَ أَنَّ الْأَرْشَ وَالدِّيَةَ فِي بَيْتِ الْمَالِ عِنْدَهُمَا، وَعِنْدَهُ لَيْسَ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ شَيْءٌ وَهُنَا عِنْدَهُمَا عَلَى الشُّهُودِ، وَعِنْدَهُ لَيْسَ عَلَيْهِمْ شَيْءٌ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ: الْأَرْشُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْحَاكِمِ (قَوْلُهُ لَهُمَا أَنَّ الْوَاجِبَ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ الْجَرْحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ فَيَنْتَظِمُ الْخَارِجُ وَغَيْرُهُ فَيُضَافُ) الْجُرْحُ وَالْمَوْتُ (إلَى شَهَادَتِهِمْ) فَصَارُوا كَالْمُبَاشِرِينَ لِمَا أَوْجَبُوهُ بِشَهَادَتِهِمْ فَرُجُوعُهُمْ اعْتِرَافٌ بِأَنَّهُمْ جُنَاةٌ فِي شَهَادَتِهِمْ، كَمَنْ ضَرَبَ شَخْصًا بِسَوْطٍ فَجَرَحَهُ أَوْ مَاتَ، وَكَشُهُودِ الْقِصَاصِ وَالْقَطْعِ إذَا رَجَعُوا، هَذَا إذَا رَجَعُوا.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَرْجِعُوا بَلْ ظَهَرَ بَعْضُهُمْ عَبْدًا أَوْ مَحْدُودًا إلَخْ وَهُوَ مَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ وَعِنْدَ عَدَمِ الرُّجُوعِ لَمْ يَكُونُوا مُعْتَرِفِينَ بِجِنَايَتِهِمْ فَيَجِبُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ يَنْتَقِلُ فِعْلُ الْجَلَّادِ إلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ الْآمِرُ لَهُ، وَفِعْلُ الْمَأْمُورِ يَنْتَقِلُ إلَى الْآمِرِ عِنْدَ صِحَّةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute