للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ هُوَ الْجَلْدُ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ، فَلَا يَقَعُ جَارِحًا ظَاهِرًا إلَّا لِمَعْنًى فِي الضَّارِبِ وَهُوَ قِلَّةُ هِدَايَتِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ، إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ كَيْ لَا يَمْتَنِعَ النَّاسُ عَنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ

(وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ) لِمَا فِيهَا مِنْ زِيَادَةِ الشُّبْهَةِ وَلَا ضَرُورَةَ إلَى تَحَمُّلِهَا

الْأَمْرِ فَكَأَنَّهُ ضَرَبَ بِنَفْسِهِ ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ، وَفِيهِ يَكُونُ الضَّمَانُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَا لِنَفْسِهِ فَتَجِبُ الْغَرَامَةُ الَّتِي لَحِقَتْهُ بِسَبَبِ عَمَلِهِ لَهُمْ فِي مَالِهِمْ، وَصَارَ الْجُرْحُ وَالْمَوْتُ مِنْ الْجَلْدِ كَالرَّجْمِ وَالْقِصَاصِ إذَا قَضَى بِهِ، فَإِنَّ الضَّمَانَ عِنْدَ ظُهُورِ الشُّهُودِ مَحْدُودِينَ أَوْ عَبِيدًا إلَخْ فِي بَيْتِ الْمَالِ اتِّفَاقًا (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْوَاجِبَ بِشَهَادَتِهِمْ هُوَ الْحَدُّ وَهُوَ ضَرْبٌ مُؤْلِمٌ غَيْرُ جَارِحٍ وَلَا مُهْلِكٍ) فَتَضَمَّنَ هَذَا مَنْعَ قَوْلِهِمَا: الْوَاجِبُ مُطْلَقُ الضَّرْبِ، وَقَوْلُهُمَا فِي إثْبَاتِهِ: إنَّ الِاحْتِزَازَ عَنْ الْجَارِحِ خَارِجٌ عَنْ الْوُسْعِ مَمْنُوعٌ بَلْ مُمْكِنٌ غَيْرُ عَسِرٍ أَيْضًا (وَلَا يَقَعُ جَارِحًا إلَّا لِحَرْقِ الضَّارِبِ وَقِلَّةِ هِدَايَتِهِ وَتَرْكِ احْتِيَاطِهِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ) فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الشُّهُودِ وَلَا الْقَاضِي، بِخِلَافِ الرَّجْمِ فَإِنَّهُ مُضَافٌ إلَى قَضَاءِ الْقَاضِي لِأَنَّهُ قَضَى بِهِ ابْتِدَاءً ثُمَّ ظَهَرَ خَطَؤُهُ وَمَصْلَحَةُ عَمَلِهِ لِلْعَامَّةِ فَيَكُونُ مُوجِبُ ضَرَرِ خَطَئِهِ عَلَيْهِمْ فِي مَا لَهُمْ لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ.

أَمَّا الْجَلْدُ الْجَارِحُ فَلَمْ يَقْضِ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ فَيَكُونُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بَلْ يَقْتَصِرُ عَلَى الْجَلَّادِ (إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ فِي الصَّحِيحِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، فَلَوْ ضَمَّنَّاهُ لَامْتَنَعَ النَّاسُ مِنْ الْإِقَامَةِ مَخَافَةَ الْغَرَامَةِ، وَإِذَا لَمْ تَجِبْ الْغَرَامَةُ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الشُّهُودِ وَلَا عَلَى الْقَاضِي لِتَثْبُتَ فِي بَيْتِ الْمَالِ لَمْ تَجِبْ أَصْلًا وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَقَوْلُهُ فِي الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: لَوْ قَالَ قَائِلٌ يَجِبُ الضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ فَلَهُ وَجْهٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَأْمُورًا بِهَذَا الْوَجْهِ بَلْ بِضَرْبٍ مُؤْلِمٍ لَا جَارِحٍ وَلَا كَاسِرٍ وَلَا قَاتِلٍ، فَإِذَا وُجِدَ فِعْلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ. رَجَعَ مُتَعَدِّيًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الضَّمَانُ، وَهَذَا أَوْجَهُ مِنْ جَعْلِهِ احْتِرَازًا عَنْ جَوَابِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ ذَلِكَ لِضَرُورَةِ عَدَمِ الْخِلَافِ فِي الْوَاقِعِ

(قَوْلُهُ: وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا لَمْ يُحَدَّ لِمَا فِيهَا) أَيْ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ (مِنْ زِيَادَةِ شُبْهَةٍ) لِتَحَقُّقِهَا فِي مَوْضِعَيْنِ: فِي تَحْمِيلِ الْأُصُولِ، وَفِي نَقْلِ الْفُرُوعِ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. وَالْأَصَحُّ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُحَدُّ بِهَا إذَا تَكَامَلَتْ شُرُوطُهَا، وَنَحْنُ بَيَّنَّا زِيَادَةَ الشُّبْهَةِ وَهِيَ، وَإِنْ لَمْ تُمْنَعْ فِي الشَّرْعِ لِأَنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>