(فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُونَ فَشَهِدُوا عَلَى الْمُعَايَنَةِ فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ لَمْ يُحَدَّ أَيْضًا) مَعْنَاهُ شَهِدُوا عَلَى ذَلِكَ الزِّنَا بِعَيْنِهِ؛ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ قَدْ رُدَّتْ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّ شَهَادَةِ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ هَذِهِ الْحَادِثَةِ إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ بِالْأَمْرِ وَالتَّحْمِيلِ، وَلَا يُحَدُّ الشُّهُودُ؛ لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ وَامْتِنَاعُ الْحَدِّ عَلَى الشُّهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ. وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ
(وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرُجِمَ فَكُلَّمَا رَجَعَ وَاحِدٌ حُدَّ الرَّاجِعُ وَحْدَهُ وَغَرِمَ رُبْعَ الدِّيَةِ) أَمَّا الْغَرَامَةُ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبْعَ الْحَقِّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقَتْلُ دُونَ الْمَالِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ، وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الدِّيَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَمَّا الْحَدُّ فَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ.
وَقَالَ زُفَرُ
الشَّرْعَ اعْتَبَرَ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ وَأَلْزَمَ الْقَضَاءَ بِمُوجِبِهَا فِي الْمَالِ لَكِنَّهَا ضَعِيفَةٌ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ اعْتِبَارِهَا فِي الْجُمْلَةِ اعْتِبَارُهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَشَهَادَةِ النِّسَاءِ فَإِنَّهَا مُعْتَبَرَةٌ صَحِيحَةٌ لِذَلِكَ وَلَيْسَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الْحُدُودِ لِزِيَادَةِ شُبْهَةٍ فِيهَا فَعُلِمَ أَنَّ الشَّهَادَةَ مَعَ زِيَادَةِ مِثْلِ تِلْكَ الشُّبْهَةِ مُعْتَبَرَةٌ إلَّا فِي الْحُدُودِ، وَسَبَبُهُ أَنَّهُ يُحْتَاطُ فِي دَرْئِهَا فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ رَدُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِنْ الشَّهَادَةِ كَمَا رُدَّتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيهَا، وَلِأَنَّهَا بَدَلٌ وَاعْتِبَارُ الْبَدَلِ فِي مَوْضِعٍ يُحْتَاطُ فِي إثْبَاتِهِ لَا فِيمَا يُحْتَاطُ فِي إبْطَالِهِ (فَإِنْ جَاءَ الْأَوَّلُونَ) يَعْنِي الْأُصُولَ (فَشَهِدُوا بِالْمُعَايَنَةِ) بِنَفْسِ مَا شَهِدَ بِهِ الْفُرُوعُ مِنْ الزِّنَا فَعِنْدَهُ لَا تُقْبَلُ أَيْضًا (لِأَنَّ شَهَادَةَ هَؤُلَاءِ الْأُصُولِ قَدْ رَدَّهَا الشَّرْعُ مِنْ وَجْهٍ بِرَدِّهِ شَهَادَةَ الْفُرُوعِ فِي عَيْنِ الْحَادِثَةِ) الَّتِي شَهِدَ بِهَا الْأُصُولُ (إذْ هُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُمْ) فَصَارَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ الْحَدِّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالزِّنَا (ثُمَّ لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ) الْأُصُولُ وَلَا الْفُرُوعُ (لِأَنَّ عَدَدَهُمْ مُتَكَامِلٌ) فَلَمْ تَكُنْ شَهَادَتُهُمْ قَذْفًا، غَيْرَ أَنَّهُ امْتَنَعَ الْحَدُّ عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِنَوْعِ شُبْهَةٍ وَهِيَ كَافِيَةٌ لِدَرْءِ الْحَدِّ لَا لِإِيجَابِهِ فَلَا يُوجِبُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى الشُّهُودِ.
(قَوْلُهُ: وَإِذَا شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِالزِّنَا فَرُجِمَ) حَاصِلُ وُجُوهِ رُجُوعِ وَاحِدٍ ثَلَاثَةٌ: إمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ، أَوْ بَعْدَهُ. ذَكَرَهَا الْمُصَنِّفُ كُلَّهَا، فَذَكَرَ أَوَّلًا مَا إذَا رَجَعَ وَاحِدٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ بَعْدَ الْإِمْضَاءِ وَهُوَ الرَّجْمُ مَثَلًا، وَأَنَّ حُكْمَهُ أَنَّهُ وَحْدَهُ يَغْرَمُ رُبْعَ الدِّيَةِ. أَمَّا غَرَامَةُ رُبْعِ الدِّيَةِ فَلِأَنَّهُ بَقِيَ مَنْ يَبْقَى بِشَهَادَتِهِ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهَا فَيَكُونُ التَّالِفُ بِشَهَادَةِ الرَّاجِعِ رُبْعَهَا لِإِتْلَافِهِ بِهَا رُبْعَ النَّفْسِ حُكْمًا فَيَضْمَنُ بَدَلَ الرُّبْعِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجِبُ الْقَتْلُ لَا الْمَالُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ فِي شُهُودِ الْقِصَاصِ أَنَّهُمْ إذَا رَجَعُوا يُقْتَلُونَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ (وَسَنُبَيِّنُهُ فِي الدِّيَاتِ) قِيلَ وَقَعَتْ الْحَوَالَةُ غَيْرَ رَائِجَةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِيهِ وَأَمَّا حَدُّ الرَّاجِعِ وَحْدَهُ فَمَذْهَبُ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ أَنَّهُ يَحُدُّهُ وَقَالَ زُفَرُ: لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ قَاذِفَ حَيٍّ بِرُجُوعِهِ فَقَدْ بَطَلَ بِالْمَوْتِ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يُورَثُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ فَيُورَثُ شُبْهَةً، وَإِنْ كَانَ قَاذِفَ مَيِّتٍ فَهُوَ مَرْجُومٌ بِحُكْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute