أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا إذَا أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ خَيْرًا بِأَنْ شَهِدُوا بِإِحْصَانِهِ. وَلَهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً عَامِلَةً بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُضَافُ الْحُكْمُ إلَيْهَا بِخِلَافِ شُهُودِ الْإِحْصَانِ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ الشَّرْطِ. وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا شَهِدُوا بِلَفْظَةِ الشَّهَادَةِ أَوْ أَخْبَرُوا، وَهَذَا إذَا أَخْبَرُوا بِالْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ، أَمَّا إذَا قَالُوا هُمْ عُدُولٌ وَظَهَرُوا عَبِيدًا لَا يَضْمَنُونَ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا، وَلَا ضَمَانَ عَلَى الشُّهُودِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ كَلَامُهُمْ شَهَادَةً، وَلَا يُحَدُّونَ حَدَّ الْقَذْفِ؛ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا وَقَدْ مَاتَ فَلَا يُورَثُ عَنْهُ
وَإِنَّمَا (أَثْنَوْا عَلَى الشُّهُودِ خَيْرًا فَصَارَ كَمَا لَوْ أَثْنَوْا عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْإِحْصَانِ) فَكَمَا لَا يَضْمَنُ شُهُودُ الْإِحْصَانِ بَعْدَ رَجْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِهِ إذَا ظَهَرَ غَيْرَ مُحْصَنٍ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُثْبِتُوا السَّبَبَ كَذَلِكَ لَا يَضْمَنُ الْمُزَكُّونَ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الشَّهَادَةَ بِالزِّنَا (إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً) مُوجِبَةً لِلْحُكْمِ بِالرَّجْمِ عَلَى الْحَاكِمِ (بِالتَّزْكِيَةِ، فَكَانَتْ التَّزْكِيَةُ فِي مَعْنَى عِلَّةِ الْعِلَّةِ) لِلْإِتْلَافِ لِأَنَّهَا مُوجِبَةٌ مُوجِبِيَّةَ الشَّهَادَةِ لِلْحُكْمِ بِهِ، وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ كَالْعِلَّةِ فِي إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَيْهَا عَلَى مَا عُرِفَ، بِخِلَافِ الْإِحْصَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مُوجِبًا لِلْعُقُوبَةِ وَلَا لِتَغْلِيظِهَا بَلْ الزِّنَا هُوَ الْمُوجِبُ فَعِنْدَ الْإِحْصَانِ يُوجِبُهَا غَلِيظَةً لِأَنَّهُ كُفْرَانُ نِعْمَةِ اللَّهِ فَلَمْ تُضَفْ الْعُقُوبَةُ إلَى نَفْسِ الْإِحْصَانِ الَّذِي هُوَ النِّعْمَةُ بَلْ إلَى كُفْرَانِ النِّعْمَةِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ بِهِ الشَّهَادَةَ بِثُبُوتِ عَلَامَةٍ عَلَى اسْتِحْقَاقِ تَغْلِيظِ الْعُقُوبَةِ، وَالسَّبَبُ وَضْعُ الْكُفْرَانِ فِي مَوْضِعِ الشُّكْرِ، ثُمَّ أَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ بِأَنْ قَالُوا: نَشْهَدُ أَنَّهُمْ أَحْرَارٌ إلَخْ بَلْ ذَلِكَ أَوْ الْإِخْبَارُ كَأَنْ يَقُولُوا: هُمْ أَحْرَارٌ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ مَجْلِسُ الْقَضَاءِ اتِّفَاقًا، ثُمَّ لَا يُشْتَرَطُ الْعَدَدُ فِي الْمُزَكَّى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَيَشْتَرِطُ الِاثْنَيْنِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ الْأَرْبَعَةِ فِي الزِّنَا، وَيَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْإِحْصَانِ ثُمَّ لَا يُحَدُّ الشُّهُودُ حَدَّ الْقَذْفِ لِأَنَّهُمْ قَذَفُوا حَيًّا فَمَاتَ وَلَا يُورَثُ اسْتِحْقَاقُ حَدِّ الْقَذْفِ. وَاعْلَمْ أَنَّهُ وَقَعَ فِي الْمَنْظُومَةِ قَوْلُهُ:
عَلَى الْمُزَكِّينَ ضَمَانُ مَنْ رُجِمَ … إنْ ظَهَرَ الشَّاهِدُ عَبْدًا وَعُلِمَ
وَأَوْجَبَا ضَمَانَ هَذَا الْمُتْلَفِ … مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فَاعْرِفْ
وَفِي الْمُزَكِّينَ إذَا هُمْ رَجَعُوا … كَذَا وَقَالُوا عُزِّرُوا وَأُوجِعُوا
وَفِي الْمُخْتَلَفِ مَا يُوَافِقُ مَا فِي الْمَنْظُومَةِ لِأَنَّهُ قَالَ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ مُطْلَقًا عَنْ قَيْدِ الرُّجُوعِ: وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ إذَا رَجَعَ الْمُزَكُّونَ. قَالَ فِي الْمُصَفَّى شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ: وَهُنَا إشْكَالٌ هَائِلٌ، فَإِنَّا إنْ أَوَّلْنَا الْمَسْأَلَةَ بِالرُّجُوعِ يَلْزَمْ التَّكْرَارُ، وَإِنْ لَمْ نُؤَوِّلْهَا بِالرُّجُوعِ يَلْزَمْ الْمُخَالَفَةُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مُطْلَقًا كَمَا ذَكَرَ هُنَا، وَفِي الشَّرْحِ خِلَافُهُ ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُؤَوَّلَ بِالرُّجُوعِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute