(وَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ فَذَهَبُوا بِهِ مِنْ مِصْرٍ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ فَانْقَطَعَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ هَذَا عُذْرٌ كَبُعْدِ الْمَسَافَةِ فِي حَدِّ الزِّنَا وَالشَّاهِدُ لَا يُتَّهَمُ فِي مِثْلِهِ.
(وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ)
انْتِفَاؤُهُ فِي غَيْرِهَا بِالْأَصْلِ لَا مُضَافًا إلَى لَفْظِ الشَّرْطِ، وَأَمَّا إضَافَةُ ثُبُوتِهِ إلَى الْإِجْمَاعِ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ ﵊ إلَخْ فَقِيلَ لِأَنَّهُ مِنْ الْآحَادِ، وَبِمِثْلِهِ لَا يَثْبُتُ الْحَدُّ وَالْإِجْمَاعُ قَطْعِيٌّ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الْكَرْخِيِّ. فَأَمَّا قَوْلُ الْجَصَّاصِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَيَثْبُتُ الْحَدُّ بِالْآحَادِ بَعْدَ الصِّحَّةِ وَقَطْعِيَّةِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ الْمُرَجَّحُ. فَإِنْ كَانَ الْمُصَنِّفُ يَرَى أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ بِهِ أَشْكَلَ عَلَيْهِ جَعْلُهُ إيَّاهُ أَوَّلًا الْأَصْلُ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ أَشْكَلَ نِسْبَةُ الْإِثْبَاتِ إلَى الْإِجْمَاعِ، وَأَنْتَ عَلِمْت أَنَّهُ إنَّمَا أَلْزَمَ قِيَامَهَا عِنْدَ الْحَدِّ بِلَا إقْرَارٍ وَلَا بَيِّنَةٍ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمْنَاهُ. فَإِنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعَ إقْرَارِهِ فَلْيُبَيِّنْ فِي الرِّوَايَةِ. وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: هَذَا أَعْظَمُ عِنْدِي مِنْ الْقَوْلِ أَنْ يَبْطُلَ الْحَدُّ بِالْإِقْرَارِ وَأَنَا أُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ وَإِنْ جَاءَ بَعْدَ أَرْبَعِينَ عَامًا
(قَوْلُهُ فَإِنْ أَخَذَهُ الشُّهُودُ وَرِيحُهَا تُوجَدُ مِنْهُ أَوْ سَكْرَانُ) مِنْ غَيْرِهَا وَرِيحُ ذَلِكَ الشَّرَابِ يُوجَدُ مِنْهُ (وَذَهَبُوا بِهِ إلَى مِصْرٍ فِيهِ الْإِمَامُ) أَوْ مَكَان بَعِيدٍ (فَانْقَطَعَ ذَلِكَ): أَيْ الرِّيحُ (قَبْلَ أَنْ يَنْتَهُوا بِهِ) إلَيْهِ (حُدَّ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا) لِأَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى انْقِطَاعِهَا لِعُذْرِ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَلَا يُتَّهَمُ فِي هَذَا التَّأْخِيرِ، وَالْأَصْلُ أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا عِنْدَ عُثْمَانَ عَلَى عُقْبَةَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ وَكَانَ بِالْكُوفَةِ فَحَمَلَهُ إلَى الْمَدِينَةِ فَأَقَامَ عَلَيْهِ الْحَدَّ
. (قَوْلُهُ وَمَنْ سَكِرَ مِنْ النَّبِيذِ حُدَّ) فَالْحَدُّ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ فِي غَيْرِ الْخَمْرِ مِنْ الْأَنْبِذَةِ بِالسُّكْرِ. وَفِي الْخَمْرِ بِشُرْبِ قَطْرَةٍ وَاحِدَةٍ. وَعِنْدَ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ كُلُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ حَرُمَ قَلِيلُهُ وَحُدَّ بِهِ لِقَوْلِهِ ﵊ «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَهَذَانِ مَطْلُوبَانِ، وَيَسْتَدِلُّونَ تَارَةً بِالْقِيَاسِ وَتَارَةً بِالسَّمَاعِ. أَمَّا السَّمَاعُ فَتَارَةً بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَمْرِ لُغَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute