قَالَ (وَيُفَرَّقُ عَلَى أَعْضَائِهِ) لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا (وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) لِأَنَّ سَبَبَهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ فَلَا يُقَامُ عَلَى الشِّدَّةِ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا (غَيْرَ أَنَّهُ يُنْزَعُ
الِاسْتِدْلَال بِأَنَّهُ ﷺ لَمْ يَلْزَمْ الْحَدُّ لِلَّذِي قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَغَيْرُ لَازِمٍ، لِأَنَّ إلْزَامَ حَدِّ الْقَذْفِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الدَّعْوَى وَالْمَرْأَةُ لَمْ تَدَّعِ. وَقَدْ أَوْرَدَ أَنَّ الْحَدَّ يَثْبُتُ بِنَفْيِ النَّسَبِ وَلَيْسَ صَرِيحًا فِي الْقَذْفِ، وَوُرُودُهُ بِاعْتِبَارِ الْمَفْهُومِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي الرِّوَايَاتِ. وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَثْبُتُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا بِالِاقْتِضَاءِ وَالثَّابِتُ مُقْتَضِي كَالثَّابِتِ بِالْعِبَارَةِ. وَالْحَقُّ أَنْ لَا دَلَالَةَ اقْتِضَاءٍ فِي ذَلِكَ لِمَا سَيُذْكَرُ بَلْ حَدُّهُ بِالْأَثَرِ وَالْإِجْمَاعِ فَهُوَ وَارِدٌ لَا يَنْدَفِعُ. وَلَا فَرْقَ فِي ثُبُوتِ الْقَذْفِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِصَرِيحِ الزِّنَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بِالْعَرَبِيِّ أَوْ النَّبَطِيِّ أَوْ الْفَارِسِيِّ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلَا يُحَدُّ لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِحِمَارٍ أَوْ بَعِيرٍ أَوْ ثَوْرٍ لِأَنَّ الزِّنَا إدْخَالُ رَجُلٍ ذَكَرَهُ إلَخْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ لَهَا زَنَيْت بِنَاقَةٍ أَوْ أَتَانٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ دَرَاهِمَ حَيْثُ يُحَدُّ لِأَنَّ مَعْنَاهُ زَنَيْت وَأَخَذْت الْبَدَلَ إذْ لَا تَصْلُحُ الْمَذْكُورَاتُ لِلْإِدْخَالِ فِي فَرْجِهَا. وَلَوْ قَالَ هَذَا لِرَجُلٍ لَا يُحَدُّ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْعُرْفُ فِي جَانِبِهِ أَخْذُ الْمَالِ. وَلَوْ قَالَ زَنَيْت وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَوْ جَامَعَك فُلَانٌ جِمَاعًا حَرَامًا لَا يُحَدُّ لِعَدَمِ الْإِثْمِ وَلِعَدَمِ الصَّرَاحَةِ، إذْ الْجِمَاعُ الْحَرَامُ يَكُونُ بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ، وَكَذَا لَا يُحَدُّ فِي قَوْلِهِ يَا حَرَامْ زَادَهْ لِأَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ حَرَامٍ زِنًا، وَلَا بِقَوْلِهِ أَشْهَدَنِي رَجُلٌ أَنَّك زَانٍ لِأَنَّهُ حَاكٍ لِقَذْفِ غَيْرِهِ، وَلَا بِقَوْلِهِ أَنْتَ أَزَنَى مِنْ فُلَانٍ أَوْ أَزَنَى النَّاسِ أَوْ أَزَنَى الزُّنَاةِ، لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي مِثْلِهِ يُسْتَعْمَلُ لِلتَّرْجِيحِ فِي الْعِلْمِ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ، وَسَيَأْتِي خِلَافُهُ فِي فُرُوعٍ نَذْكُرُهَا.
وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مُطَالَبَةِ الْمَقْذُوفِ فَإِجْمَاعٌ إذَا كَانَ حَيًّا، فَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمُطَالَبَةُ مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ ثُمَّ إنَّ نَفْيَهُ عَنْ غَيْرِ الْمَقْذُوفِ بِمَفْهُومِ الصِّفَةِ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ، وَأَوْرَدَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تُشْتَرَطَ الْمُطَالَبَةُ لِأَنَّ الْمُغَلَّبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْجَوَابُ أَنَّ حَقَّ الْعَبْدِ مُطْلَقًا يَتَوَقَّفُ النَّظَرُ فِيهِ عَلَى الدَّعْوَى وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا. نَعَمْ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ الْعِبَارَةِ قَذْفٌ نَحْوُ الرَّتْقَاءِ وَالْمَجْبُوبِ فَإِنَّهُ لَا يُحَدُّ فِيهِ مَعَ صِدْقِ الْقَذْفِ لِلْمُحْصَنَةِ بِصَرِيحِ الزِّنَا، وَكَذَا الْأَخْرَسُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُصَدِّقَهُ لَوْ نَطَقَ. وَفِي الْأَوَّلَيْنِ كَذِبُهُ ثَابِتٌ بِيَقِينٍ فَانْتَفَى إلْحَاقُ الشَّيْنِ إلَّا بِنَفْسِهِ. وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةً لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يُحَدُّ لِأَنَّهُ قَذَفَهُ عَلَى الْمُبَالَغَةِ، فَإِنَّ التَّاءَ تُزَادُ لَهُ كَمَا فِي عَلَّامَةٍ وَنَسَّابَةٍ. وَلَهُمَا أَنَّهُ رَمَاهُ بِمَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ فَلَا يُحَدُّ كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْبُوبًا، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ مَحَلٌّ لِلزِّنَا لَا يُحَدُّ، وَكَوْنُ التَّاءِ لِلْمُبَالَغَةِ مَجَازٌ لِمَا عُهِدَ لَهَا مِنْ التَّأْنِيثِ، وَلَوْ كَانَ حَقِيقَةً فَالْحَدُّ لَا يَجِبُ بِالشَّكِّ، وَلَوْ قَالَ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ حُدَّ عِنْدَهُمْ لِأَنَّ التَّرْخِيمَ شَائِعٌ (وَيُفَرَّقُ) الضَّرْبُ (عَلَى أَعْضَائِهِ لِمَا مَرَّ فِي حَدِّ الزِّنَا).
(قَوْلُهُ وَلَا يُجَرَّدُ مِنْ ثِيَابِهِ) إلَّا فِي قَوْلِ مَالِكٍ (لِأَنَّ سَبَبَهُ) وَهُوَ النِّسْبَةُ إلَى الزِّنَا كَذِبًا (غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ كَوْنِهِ صَادِقًا غَيْرَ أَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الْبَيَانِ، بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا لِأَنَّ سَبَبَهُ مُعَايِنٌ لِلشُّهُودِ أَوْ لِلْمُقِرِّ بِهِ، وَالْمَعْلُومُ لَهُمَا هُنَا نَفْسُ الْقَذْفِ، وَإِيجَابُهُ الْحَدَّ لَيْسَ بِذَاتِهِ بَلْ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ كَاذِبًا حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا بِعَدَمِ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ تَعَالَى مَنَعَ مِنْ النِّسْبَةِ إلَى الزِّنَا إلَّا عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْإِثْبَاتِ بِالشُّهَدَاءِ لِأَنَّ فَائِدَةَ النِّسْبَةِ هُنَاكَ تَحْصُلُ، أَمَّا عِنْدَ الْعَجْزِ فَإِنَّمَا هُوَ تَشْنِيعٌ وَلَقْلَقَةٌ تُقَابَلُ بِمِثْلِهَا بِلَا فَائِدَةٍ (بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا غَيْرَ أَنَّهُ يَنْزِعُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute