عَنْهُ الْفَرْوُ وَالْحَشْوُ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ بِهِ (وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ عَبْدًا جُلِدَ أَرْبَعِينَ سَوْطًا لِمَكَانِ الرِّقِّ. وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا عَاقِلًا بَالِغًا مُسْلِمًا عَفِيفًا عَنْ فِعْلِ الزِّنَا) أَمَّا الْحُرِّيَّةُ فَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْصَانِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أَيْ الْحَرَائِرِ، وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ لِأَنَّ الْعَارَ لَا يَلْحَقُ بِالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا، وَالْإِسْلَامُ لِقَوْلِهِ ﵊ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَالْعِفَّةُ لِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ، وَكَذَا الْقَاذِفُ صَادِقٌ فِيهِ.
عَنْهُ الْفَرْوَ وَالْحَشْوَ) أَيْ الثَّوْبَ الْمَحْشُوَّ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِنْ وُصُولِ الْأَلَمِ إلَيْهِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَيْهِ ثَوْبٌ ذُو بِطَانَةٍ غَيْرُ مَحْشُوٍّ لَا يُنْزَعُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنْ كَانَ فَوْقَ قَمِيصٍ يُنْزَعُ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعَ الْقَمِيصِ كَالْمَحْشُوِّ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَيَمْنَعُ إيصَالَ الْأَلَمِ الَّذِي يَصْلُحُ زَاجِرًا.
(قَوْلُهُ وَالْإِحْصَانُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْذُوفُ حُرًّا إلَخْ) قَدَّمْنَا ذَلِكَ، وَالْكَلَامُ هُنَا فِي إثْبَاتِ ذَلِكَ، وَيَثْبُتُ الْإِحْصَانُ بِإِقْرَارِ الْقَاذِفِ أَوْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَتَقَدَّمَتْ، فَإِنْ أَنْكَرَ الْقَاذِفُ الْإِحْصَانَ وَعَجَزَ الْمَقْذُوفُ عَنْ الْبَيِّنَةِ لَا يَحْلِفُ مَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مُحْصَنَةٌ، وَكَذَا إذَا أَنْكَرَ الْحُرِّيَّةَ لِيُحَدَّ حَدَّ الْأَرِقَّاءِ الْقَوْلُ قَوْلُهُ، وَلَا يُحَدُّ كَالْأَحْرَارِ إلَّا أَنْ يُقِيمَ الْمَقْذُوفُ بَيِّنَةً أَنَّهُ حُرٌّ، وَلَوْ كَانَ الْقَاضِي يَعْلَمُ حُرِّيَّتَهُ حَدَّهُ ثَمَانِينَ، وَهَذَا قَضَاءٌ يَعْلَمُهُ فِيمَا لَيْسَ سَبَبًا لِلْحَدِّ فَيَجُوزُ (أَمَّا اشْتِرَاطُ الْحُرِّيَّةِ فَلِأَنَّهُ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْإِحْصَانِ، قَالَ تَعَالَى ﴿فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ﴾ أَيْ الْحَرَائِرِ) فَالرَّقِيقُ لَيْسَ مُحْصَنًا بِهَذَا الْمَعْنَى، وَكَوْنُهُ مُحْصَنًا بِمَعْنًى آخَرَ كَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِ يُوجِبُ كَوْنُهُ مُحْصَنًا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ، وَذَلِكَ شُبْهَةٌ فِي إحْصَانِهِ تُوجِبُ دَرْءَ الْحَدِّ عَنْ قَاذِفِهِ فَلَا يُحَدُّ حَتَّى يَكُونَ مُحْصَنًا بِجَمِيعِ الْمَفْهُومَاتِ الَّتِي أُطْلِقَ عَلَيْهَا لَفْظُ الْإِحْصَانِ إلَّا مَا أَجْمَعَ عَلَى عَدَمِ اعْتِبَارِهِ فِي تَحَقُّقِ الْإِحْصَانِ وَهُوَ كَوْنُهَا زَوْجَةً أَوْ كَوْنُ الْمَقْذُوفِ زَوْجًا، فَإِنَّهُ جَاءَ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى ﴿وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ﴾ أَيْ الْمُتَزَوِّجَاتُ، وَلَا يُعْتَبَرُ فِي إحْصَانِ الْقَذْفِ بَلْ فِي إحْصَانِ الرَّجْمِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْإِحْصَانَ أُطْلِقَ بِمَعْنَى الْحُرِّيَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا، وَبِمَعْنَى الْإِسْلَامِ فِي قَوْله تَعَالَى ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَسْلَمْنَ، وَهَذَا يَكْفِي فِي إثْبَاتِ اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ فِي الْإِحْصَانِ، وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَ فِيهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ﵊ «مَنْ أَشْرَكَ بِاَللَّهِ فَلَيْسَ بِمُحْصَنٍ» وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ وَبِمَعْنَى الْعِفَّةِ عَنْ فِعْلِ الزِّنَا، قَالَ تَعَالَى ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ﴾ وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْعَفَائِفُ، وَأَمَّا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ فَفِيهِ إجْمَاعٌ، إلَّا مَا عَنْ أَحْمَدَ أَنَّ الصَّبِيَّ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ مُحْصَنٌ فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute