(وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ) وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً، لِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إنَّمَا يَنْفِي عَنْ الزَّانِي لَا عَنْ غَيْرِهِ.
وَالْأَصَحُّ عَنْهُ كَقَوْلِ النَّاسِ وَقَوْلِ مَالِكٍ فِي الصَّبِيَّةِ الَّتِي يُجَامَعُ مِثْلُهَا يُحَدُّ قَاذِفُهَا خُصُوصًا إذَا كَانَتْ مُرَاهِقَةً، فَإِنَّ الْحَدَّ بِعِلَّةِ إلْحَاقِ الْعَارِ وَمِثْلُهَا يَلْحَقُهُ.
وَالْعَامَّةُ يَمْنَعُونَ كَوْنَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ يَلْحَقُهُمَا عَارٌ بِنِسْبَتِهِمَا إلَى الزِّنَا بَلْ رُبَّمَا يُضْحَكُ مِنْ الْقَائِلِ لِصَبِيٍّ أَوْ مَجْنُونٍ يَا زَانِي، إمَّا لِعَدَمِ صِحَّةِ قَصْدِهِ. وَإِمَّا لِعَدَمِ خِطَابِهِمَا بِالْحُرُمَاتِ. وَلَوْ فُرِضَ لُحُوقُ عَارٍ لِمُرَاهِقٍ فَلَيْسَ إلْحَاقًا عَلَى الْكَمَالِ فَيَنْدَرِئُ. وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِعَدَمِ تَحَقُّقِ فِعْلِ الزِّنَا مِنْهُمَا لِأَنَّهُ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالزِّنَا الْمُؤَثِّمُ، وَإِلَّا فَهُوَ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا إذْ يَتَحَقَّقُ مِنْهُمَا الْوَطْءُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ، لَكِنَّ الْقَذْفَ إنَّمَا يُوجِبُ الْحَدَّ إذَا كَانَ بِزِنًا يُؤَثَّمُ صَاحِبُهُ، وَبِهِ يَنْدَفِعُ الْإِيرَادُ الْقَائِلُ إذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ الزِّنَا مِنْهُمَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَدَّ قَاذِفُ مَجْنُونٍ زَنَى حَالَةَ جُنُونِهِ لَكِنْ لَا يُحَدُّ وَإِنْ كَانَ قَذَفَهُ حِينَ إفَاقَتِهِ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الْعِفَّةِ فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يَلْحَقُهُ الْعَارُ بِنِسْبَتِهِ إلَى الزِّنَا لِأَنَّ تَحْصِيلَ الْحَاصِلِ مُحَالٌ. وَلَوْ لَحِقَهُ عَارٌ آخَرُ فَهُوَ صِدْقٌ. وَحَدُّ الْقَذْفِ لِلْفِرْيَةِ لَا لِلصِّدْقِ. وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فِي الْعِفَّةِ قَالَ: لَمْ يَكُنْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالزِّنَا وَلَا بِشُبْهَةٍ وَلَا بِنِكَاحٍ فَاسِدٍ فِي عُمُرِهِ. فَإِنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً يُرِيدُ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ وَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ. وَكَذَا لَوْ وَطِئَ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ أَوْ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ، وَلَوْ وَطِئَهَا فِي الْمِلْكِ إلَّا أَنَّهُ مُحَرَّمٌ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَتْ الْحُرْمَةُ مُؤَقَّتَةً لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ امْرَأَتَهُ فِي الْحَيْضِ أَوْ أَمَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ، وَإِنْ كَانَتْ مُؤَبَّدَةً سَقَطَ إحْصَانُهُ كَمَا إذَا وَطِئَ أَمَتَهُ وَهِيَ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ. وَلَوْ مَسَّ امْرَأَةً بِشَهْوَةٍ أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا بِشَهْوَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا فَدَخَلَ بِهَا أَوْ أُمِّهَا لَا يَسْقُطُ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَسْقُطُ. وَلَوْ وَطِئَ امْرَأَةً بِالنِّكَاحِ ثُمَّ تَزَوَّجَ بِنْتَهَا وَدَخَلَ بِهَا سَقَطَ إحْصَانُهُ انْتَهَى لَفْظُهُ. وَإِنَّمَا لَمْ يَسْقُطْ إحْصَانُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي بِنْتِ الْمَمْسُوسَةِ بِشَهْوَةٍ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْفُقَهَاءِ يُصَحِّحُونَ نِكَاحَهَا
(قَوْلُهُ وَمَنْ نَفَى نَسَبَ غَيْرِهِ فَقَالَ لَسْت لِأَبِيك فَإِنَّهُ يُحَدُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ أُمُّهُ حُرَّةً مُسْلِمَةً) وَكَذَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي الْكَافِي، وَعَلَّلَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِأَنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ قَذْفٌ لِأُمِّهِ، فَكَأَنَّهُ قَالَ أُمُّهُ زَانِيَةٌ، لِأَنَّهُ إذَا كَانَ لِغَيْرِ أَبِيهِ وَلَا نِكَاحَ لِذَلِكَ الْغَيْرِ كَانَ عَنْ زِنَاهَا مَعَهُ. قِيلَ فَعَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ: إذَا كَانَتْ مُحْصَنَةً حَتَّى يَشْمَلَ جَمِيعَ شَرَائِطِ الْإِحْصَانِ. وَأَوْرَدَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute