للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ فَطَالَبَ الِابْنُ بِحَدِّهِ حُدَّ الْقَاذِفُ) لِأَنَّهُ قَذَفَ مُحْصَنَةً بَعْدَ مَوْتِهَا (وَلَا يُطَالِبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ وَهُوَ الْوَالِدُ وَالْوَلَدُ) لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ بِهِ لِمَكَانِ الْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا لَهُ مَعْنًى. وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَثْبُتُ حَقُّ الْمُطَالَبَةِ لِكُلِّ وَارِثٍ لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ يُورَثُ عِنْدَهُ عَلَى

وَفِي بَعْضِ أَصْحَابِنَا ابْنُ أَمِيرِ الْحَاجِّ وَأَمِيرُ الْحَاجِّ جَدُّهُ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَنْتِ ابْنُ فُلَانٍ لِعَمِّهِ أَوْ خَالِهِ أَوْ زَوْجِ أُمِّهِ لَا يُحَدُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ اسْمُ الْأَبِ كَمَا سَيَأْتِي. وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِأَبِيهِ الْمَعْرُوفِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ الْمُشَابَهَةِ وَمَعْنًى حَقِيقِيٌّ هُوَ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ أَوْ عَدَمِ زِنَاهَا بَلْ بِشُبْهَةٍ، فَهِيَ ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: يُمْكِنُ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْخُصُوصِ، وَقَدْ حَكَمُوا بِتَحْكِيمِ الْغَضَبِ وَعَدَمِهِ، فَمَعَهُ يُرَادُ نَفْيُ كَوْنِهِ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ، وَمَعَ عَدَمِهِ يُرَادُ الْمَجَازِيُّ.

وَقَوْلُهُ لَسْت ابْنَ فُلَانٍ لِجَدِّهِ لَهُ مَعْنًى مَجَازِيٌّ هُوَ نَفْيُ مُشَابَهَتِهِ لِجَدِّهِ، وَمَعْنَيَانِ حَقِيقِيَّانِ أَحَدُهُمَا نَفْيُ كَوْنِهِ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ وَالْآخَرُ نَفْيُ كَوْنِهِ أَبًا أَعْلَى لَهُ، وَهَذَا يَصْدُقُ بِصُورَتَيْنِ: نَفْيُ كَوْنِ أَبِيهِ خُلِقَ مِنْ مَائِهِ بَلْ زَنَتْ جَدَّتُهُ بِهِ، أَوْ جَاءَتْ بِهِ بِشُبْهَةِ، وَكُلُّ هَذِهِ الْمَعَانِي يَصِحُّ إرَادَةُ كُلٍّ مِنْهَا، وَقَدْ حُكِمَ بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ: أَحَدُهَا بِعَيْنِهِ فِي الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُهُ لَيْسَ مِنْ مَائِهِ مَعَ زِنَا الْأُمِّ بِهِ، إذْ لَا مَعْنَى لَأَنْ يُخْبِرَهُ فِي السِّبَابِ بِأَنَّ أُمَّهُ جَاءَتْ بِهِ بِغَيْرِ زِنًا بَلْ بِشُبْهَةٍ، فَيَجِبُ أَنْ يُحْكَمَ أَيْضًا بِتَعْيِينِ الْغَضَبِ فِي الْمَعْنَى الثَّانِي الَّذِي هُوَ نَفْيُ نَسَبِ أَبِيهِ عَنْهُ وَقَذْفِ جَدَّتِهِ بِهِ، فَإِنَّهُ لَا مَعْنَى لِإِخْبَارِهِ فِي حَالَةِ الْغَضَبِ بِأَنْ لَمْ تُخْلَقْ مِنْ مَاءِ جَدِّك، وَهُوَ مَعَ سَمَاجَتِهِ أَبْعَدُ فِي الْإِرَادَةِ مِنْ أَنْ يُرَادَ نَفْيُ أُبُوَّتِهِ لِأَبِيهِ، لِأَنَّ هَذَا كَقَوْلِنَا السَّمَاءُ فَوْقَ الْأَرْضِ، وَلَا مُخَلِّصَ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا إجْمَاعٌ عَلَى نَفْيِ الْحَدِّ بِلَا تَفْصِيلٍ، كَمَا أَنَّ فِي تِلْكَ إجْمَاعًا عَلَى ثُبُوتِهِ بِالتَّفْصِيلِ.

وَلَوْ قَالَ لَهُ أَنْتَ ابْنُ فُلَانٍ لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ حُدَّ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَذْفٍ صَرِيحٍ لِجَوَازِ كَوْنِهِ ابْنَهُ شَرْعًا بِلَا زِنًا عَلَى مَا قُلْنَا، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِحْسَانٌ بِمَعْنَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهَذِهِ الصُّوَرُ سَتَأْتِي فِي الْكِتَابِ لَكِنَّهَا هُنَا أَنْسَبُ

(قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَهُ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ وَأُمُّهُ مَيِّتَةٌ مُحْصَنَةٌ كَانَ لِلْوَلَدِ الْمُطَالَبَةُ بِحَدِّهِ) فَإِذَا طَالَبَ بِهِ حُدَّ الْقَاذِفُ (وَلَا يُطَالَبُ بِحَدِّ الْقَذْفِ لِلْمَيِّتِ إلَّا مَنْ يَقَعُ الْقَدْحُ فِي نَسَبِهِ بِقَذْفِهِ) وَهُوَ الْوَالِدُ وَإِنْ عَلَا وَالْوَلَدُ وَإِنْ سَفَلَ، لِأَنَّ الْعَارَ يَلْتَحِقُ بِهِمَا لِلْجُزْئِيَّةِ فَيَكُونُ الْقَذْفُ مُتَنَاوِلًا مَعْنًى لَهُمَا فَلِذَلِكَ يَثْبُتُ لَهُمَا حَقُّ الْمُطَالَبَةِ، لَكِنَّ لُحُوقَهُ لَهُمَا بِوَاسِطَةِ لُحُوقِ الْمَقْذُوفِ بِالذَّاتِ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي ذَلِكَ فَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْخُصُومَةِ، لِأَنَّ الْعَارَ يَلْحَقُهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>