وَالْمَقْصُودُ مِنْ الْخُصُومَةِ إحْيَاءُ حَقِّهِ وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ، وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةِ الِاعْتِرَاضِ كَمَا إذَا حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُؤْتَمَنُ فَإِنَّهُ يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُقَالَ لَهُمْ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهُوَ بِالْيَدِ فَكَانَ اسْتِعَادَتُهَا حَقًّا لَهُمْ، كَمَا أَنَّ ذَلِكَ لِلْمَالِكِ بَلْ الْمِلْكُ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ يُرَدَّ إلَّا لِلْيَدِ، وَهَذَا لِأَنَّ ذَا الْيَدِ إنْ كَانَ أَمِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْأَمَانَةِ إلَّا بِهَا، وَإِنْ كَانَ غَاصِبًا لَا يَقْدِرُ عَلَى إسْقَاطِ الضَّمَانِ عَنْ نَفْسِهِ إلَّا بِذَلِكَ فَكَانَ خُصُومَةً فِي حَقٍّ لَهُمْ ثُمَّ تَظْهَرُ بِهِ السَّرِقَةُ فَيَجِبُ بِهَا الْقَطْعُ، وَلِذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى إضَافَةِ الْمَالِ إلَى الْمَالِكِ بَلْ يَقُولُ سَرَقَ مِنِّي وَقَصْدُهُ إحْيَاءُ حَقِّ الْمَالِكِ وَحَقِّ نَفْسِهِ، بِخِلَافِ خُصُومَتِهِ فِي الْقِصَاصِ لَا تُعْتَبَرُ فَلَا يُقْتَصُّ بِخُصُومَتِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقُّهُ فِي إعَادَةِ يَدِهِ.
وَأَوْرَدَ أَنَّ فِي صُورَةِ الْإِقْرَارِ لَا يُقْطَعُ إلَّا بِحُضُورِ الْمَالِكِ وَهُوَ إحْدَى الْحُجَّتَيْنِ، وَكَذَا لَوْ أَقَامَ وَكِيلُ الْمَالِكِ بَيِّنَةً عَلَى السَّرِقَةِ لَا يُقْطَعُ بِخُصُومَتِهِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ مَعَ ظُهُورِ السَّرِقَةِ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ فِيهِمَا، وَمَا ذَاكَ إلَّا لِتَوَهُّمِ الشُّبْهَةِ حَالَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَالتَّوَهُّمُ مَوْجُودٌ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مَعَ أَنَّهُ يُقْطَعُ. أُجِيبَ بِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ أَصْحَابُ يَدٍ صَحِيحَةٍ، وَبَيَّنَّا أَنَّ لَهُمْ حَقَّ الِاسْتِرْدَادِ فَخُصُومَةُ كُلٍّ مِنْهُمْ بِاعْتِبَارِ حَقِّهِ، بِخِلَافِ الْوَكِيلِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُسْتَغْنَى عَنْ إضَافَةِ الْخُصُومَةِ إلَى غَيْرِهِ. وَفِي فَصْلِ الْإِقْرَارِ شُبْهَةٌ زَائِدَةٌ هِيَ جَوَازُ أَنْ يَرُدَّ الْمَالِكُ إقْرَارَهُ فَيَبْقَى الْمَالُ مَمْلُوكًا لِلسَّارِقِ فَاسْتِيفَاءُ الْحَدِّ مَعَ ذَلِكَ اسْتِيفَاءٌ مَعَ الشُّبْهَةِ. ثُمَّ أَجَابَ عَنْ قَوْلِ زُفَرَ بِقَوْلِهِ (وَسُقُوطُ الْعِصْمَةِ ضَرُورَةُ الِاسْتِيفَاءِ) حَقًّا لِلَّهِ وَإِنْ لَزِمَ غَيْرُ مَقْصُودٍ وَلَا دَائِمِيٍّ، لِأَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ إذَا كَانَ الْمَالُ مُسْتَهْلَكًا فَلَيْسَ لَازِمًا لِلْقَطْعِ مُطْلَقًا مَعَ أَنَّهُ مُهْدَرٌ فِي اعْتِبَارِ الشَّرْعِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنْ يُقْطَعَ بِخُصُومَةِ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ بِسَرِقَةِ مَالِ الْيَتِيمِ وَإِنْ لَزِمَهُ سُقُوطُ الضَّمَانِ فَكَانَ تَعْلِيلُهُ لِذَلِكَ مَرْدُودًا بِدَلَالَةِ الْإِجْمَاعِ.
وَقَوْلُهُ (وَلَا مُعْتَبَرَ بِشُبْهَةٍ مَوْهُومَةٍ) جَوَابٌ عَنْ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنْ يُقَالَ احْتِمَالُ إقْرَارِ الْمَالِكِ لَهُ: أَيْ اعْتِرَافُهُ بِأَنَّهَا لَهُ وَإِذْنُهُ إذَا حَضَرَ ثَابِتٌ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فَقَالَ هَذِهِ شُبْهَةٌ يُتَوَهَّمُ اعْتِرَاضُهَا عِنْدَ حُضُورِهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِمِثْلِهَا بَلْ الْمُعْتَبَرُ شُبْهَةٌ ثَابِتٌ تَوَهُّمُهَا فِي الْحَالِ لَا عَلَى تَقْدِيرٍ مُنْتَفٍ فِي الْحَالِ؛ أَلَا يَرَى أَنَّ الْقَطْعَ يُسْتَوْفَى بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ تُوُهِّمَ اعْتِرَاضُ رُجُوعِهِ، وَكَذَا لَوْ حَضَرَ الْمَالِكُ وَغَابَ الْمُسْتَوْدَعُ يُقْطَعُ، وَإِنْ كَانَ لَوْ حَضَرَ الْمُسْتَوْدَعُ قَالَ كَانَ ضَيْفِي أَوْ أَذِنْت لَهُ فِي الدُّخُولِ فِي بَيْتِي، وَلَا يَخْفَى أَنْ لَا فَرْقَ بَيْنَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ وَالشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا بَعْضُهُمْ فِي اشْتِرَاطِ حُضُورِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ لِلْخُصُومَةِ مِنْ احْتِمَالِ إبَاحَةِ الْمَالِكِ الْمَسْرُوقَ لِلْمُسْلِمِينَ وَنَحْوِهِ، فَإِنَّهُ جَازَ أَنَّهُ إذَا حَضَرَ قَالَ كُنْت أَبَحْته لِلْمُسْلِمِينَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute