وَفِي كُلٍّ مِنْ ذَلِكَ قُدْوَةٌ فَيَتَخَيَّرُ.
وَقِيلَ الْأَوْلَى هُوَ الْأَوَّلُ عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ، وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ لِيَكُونَ عِدَّةً فِي الزَّمَانِ الثَّانِي، وَهَذَا فِي الْعَقَارِ. أَمَّا فِي الْمَنْقُولِ الْمُجَرَّدِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِالرَّدِّ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ فِيهِ،
وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ عَامِرٍ أَوْ غَامِرٍ عَمِلَهُ صَاحِبُهُ أَوْ لَمْ يَعْمَلْهُ دِرْهَمًا وَقَفِيزًا، وَفَرَضَ عَلَى كُلِّ جَرِيبِ الْكَرْمِ عَشْرَةً وَعَلَى الرِّطَابِ خَمْسَةً، وَفَرَضَ عَلَى رِقَابِ الْمُوسِرِينَ فِي الْعَامِ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ وَعَلَى مَنْ دُونَهُ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ، وَعَلَى مَنْ لَمْ يَجِدْ شَيْئًا اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَحُمِلَ فِي أَوَّلِ سَنَةٍ إلَى عُمَرَ ثَمَانُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، وَفِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفَ أَلْفَ دِرْهَمٍ، إلَّا أَنَّ فِي الْمَشْهُورِ عَنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَقُسِمَتْ بَيْنَ الْغَانِمِينَ، فَجُعِلَتْ لِأَهْلِ الْخُمُسِ وَالْمَنْقُولَاتِ لِلْغَانِمَيْنِ.
وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهَا بِأَهْلِ الْخُمُسِ لَكِنَّهُ اسْتَطَابَ قُلُوبَ الْغَانِمِينَ وَاسْتَرَدَّهَا وَرَدَّهَا عَلَى أَهْلِهَا بِخَرَاجٍ يُؤَدُّونَهُ فِي كُلِّ سَنَةٍ. وَقَالَ ابْنُ شُرَيْحٍ: بَاعَهَا مِنْ أَهْلِهَا بِثَمَنٍ مُنَجَّمٍ. وَالْمَشْهُورُ فِي كُتُبِ الْمَغَازِي أَنَّ السَّوَادَ فُتِحَ عَنْوَةً، وَأَنَّ عُمَرَ ﵁ وَظَّفَ مَا ذَكَرْنَا وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ مُحْتَجًّا قَوْله تَعَالَى ﴿مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ﴾ إلَى قَوْلِهِ ﴿وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ﴾ أَيْ الْغَنِيمَةُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ، وَإِنَّمَا تَكُونُ لَهُمْ بِالْمَنِّ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ، وَتَلَا عُمَرُ هَذِهِ الْآيَةَ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ إلَّا نَفَرٌ يَسِيرٌ كَبِلَالٍ وَسَلْمَانَ، وَنُقِلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَدَعَا عُمَرُ ﵁ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَالَ: اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا وَأَصْحَابَهُ.
قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ: فَلَمْ يُحْمَدُوا وَنَدِمُوا وَرَجَعُوا إلَى رَأْيِهِ.
وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ قِسْمَةَ الْأَرَاضِي لَيْسَ حَتْمًا أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ عَنْوَةً وَلَمْ يَقْسِمْ النَّبِيُّ ﷺ أَرْضَهَا، وَلِهَذَا ذَهَبَ مَالِكٌ إلَى أَنَّ بِمُجَرَّدِ الْفَتْحِ تَصِيرُ الْأَرْضُ وَقْفًا لِلْمُسْلِمِينَ، وَهُوَ أَدْرَى بِالْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ مَكَّةَ فُتِحَتْ صُلْحًا لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا بَلْ عَلَى نَقِيضِهَا؛ أَلَا تَرَى أَنَّهُ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ قَوْلِهِ ﵊: «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ، وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ» وَلَوْ كَانَ صُلْحًا لَأَمِنُوا كُلُّهُمْ بِهِ بِلَا حَاجَةٍ إلَى ذَلِكَ وَإِلَى مَا ثَبَتَ مِنْ إجَارَةِ أُمِّ هَانِئٍ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute