للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ غِنَاؤُهُ مِثْلَيْ غِنَاءِ الرَّاجِلِ فَيَفْضُلُ عَلَيْهِ بِسَهْمٍ وَلِأَنَّهُ تَعَذَّرَ اعْتِبَارُ مِقْدَارِ الزِّيَادَةِ لِتَعَذُّرِ مَعْرِفَتِهِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ النَّفْسُ وَالْفَرَسُ، وَلِلرَّاجِلِ سَبَبٌ وَاحِدٌ فَكَانَ اسْتِحْقَاقُهُ عَلَى ضَعْفِهِ. .

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَمِينٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ يُقَسِّمُ لِلْفَارِسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا». وَإِذَا ثَبَتَ التَّعَارُضُ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بَلْ فِي فِعْلِهِ مُطْلَقًا نَظَرًا إلَى تَعَارُضِ رِوَايَةِ غَيْرِ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا تَرَجَّحَ النَّفْيُ بِالْأَصْلِ وَهُوَ عَدَمُ الْوُجُوبِ، وَبِالْمَعْنَى وَهُوَ (أَنَّ الْكَرَّ وَالْفَرَّ جِنْسٌ وَاحِدٌ) وَالثَّبَاتُ جِنْسٌ فَهُمَا اثْنَانِ لِلْفَارِسِ وَلِلرَّاجِلِ أَحَدُهُمَا فَلَهُ ضِعْفُ مَالِهِ، وَلِأَنَّ الزِّيَادَةَ لَيْسَتْ إلَّا بِالزِّيَادَةِ فِي الْغَنَاءِ ضَرُورَةً وَإِنْ تَعَذَّرَ مَعْرِفَةُ الزِّيَادَةِ فِي الْقِتَالِ حَقِيقَةً، لِأَنَّ كَمْ مِنْ رَاجِلٍ أَنْفَعَ فِيهِ مِنْ رَاجِلٍ وَفَارِسٍ مِنْ فَارِسٍ، لَا يُسْتَنْكَرُ زِيَادَةُ إغْنَاءِ رَاجِلٍ عَنْ فَارِسٍ، فَإِنَّمَا (يُدَارُ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبٍ ظَاهِرٍ، وَلِلْفَارِسِ سَبَبَانِ) فِي الْغَنَاءِ بِنَفْسِهِ وَفَرَسِهِ (وَلِلرَّاجِلِ نَفْسُهُ فَقَطْ) فَكَانَ عَلَى النِّصْفِ.

وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ: (وَإِذَا تَعَارَضَتْ رِوَايَتَاهُ تُرَجَّحُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ).

يُرِيدُ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَلِمْت مَا فِيهِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمُعَارَضَةُ الْمُوجِبَةُ لِلتَّرْكِ فَرْعُ الْمُسَاوَاةِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِي الْبُخَارِيِّ فَهُوَ أَصَحُّ.

قُلْنَا: قَدَّمْنَا غَيْرَ مَرَّةٍ أَنَّ كَوْنَ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ أَصَحَّ مِنْ حَدِيثٍ آخَرَ فِي غَيْرِهِ مَعَ فَرْضِ أَنَّ رِجَالَهُ رِجَالُ الصَّحِيحِ، أَوْ رِجَالٌ رَوَى عَنْهُمْ الْبُخَارِيُّ تَحَكُّمٌ مَحْضٌ؛ لِأَنَّا نَقُولُ بِهِ، مَعَ أَنَّ الْجَمْعَ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَقْوَى مِنْ الْآخَرِ أَوْلَى مِنْ إبْطَالِ أَحَدِهِمَا، وَذَلِكَ فِيمَا قُلْنَا يَحْمِلُ رِوَايَةَ ابْنِ عُمَرَ عَلَى التَّنْفِيلِ فَكَانَ إعْمَالُهُمَا أَوْلَى مِنْ إهْمَالِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ كَوْنِهِ سَنَدًا صَحِيحًا عَلَى مَا ذَكَرْت مِنْ حَدِيثِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَيُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى وَذَكَرْنَا مَنْ تَابَعَهُ.

وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَارَضَ فِعْلَاهُ فَيَرْجِعُ إلَى قَوْلِهِ: يَعْنِي قَوْلَهُ: لِلْفَارِسِ سَهْمَانِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمٌ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ، وَخَطِئَ مَنْ عَزَاهُ لِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، ثُمَّ هُوَ وِزَانُ مَا تَقَدَّمَ لَهُ فِي سُجُودِ السَّهْوِ مِنْ قَوْلِهِ فَتَعَارَضَتْ رِوَايَتَا فِعْلِهِ وَبَقِيَ التَّمَسُّكُ بِقَوْلِهِ وَعُلِمَ مَا تَقَدَّمَ هُنَاكَ مِنْ أَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّ الْمَصِيرَ أَوَّلًا إلَى الْفِعْلِ، فَإِذَا تَعَذَّرَ التَّمَسُّكُ بِهِ حِينَئِذٍ يُصَارُ إلَى الْقَوْلِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ.

هَذَا، وَاعْلَمْ أَنَّ مَخَارِجَ حَدِيثِ الثَّلَاثَةِ أَكْثَرُ، فَإِنَّهُ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>