(وَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَلِأَنَّ الْوَاحِدَ قَدْ يَعْيَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْآخَرِ، وَلَهُمَا «أَنَّ الْبَرَاءَ بْنَ أَوْسٍ قَادَ فَرَسَيْنِ فَلَمْ يُسْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ» وَلِأَنَّ الْقِتَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِفَرَسَيْنِ دَفْعَةً وَاحِدَةً فَلَا يَكُونُ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مُفْضِيًا إلَى الْقِتَالِ عَلَيْهِمَا فَيُسْهِمُ لِوَاحِدٍ، وَلِهَذَا لَا يُسْهِمُ لِثَلَاثَةِ أَفْرَاسٍ،
أَبِيهِ وَالطَّبَرَانِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي رُهْمٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِي صُحْبَتِهِ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي كَبْشَةَ الْأَنْمَارِيِّ وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَادِ، وَأَخْرَجَهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَكَذَا الطَّبَرَانِيُّ وَأَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَامٍ، وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَنْ الزُّبَيْرِ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ.
وَهِيَ مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَسْلَمْ مِنْ الْمَقَالِ مِنْهَا مَا لَا يُنَافِي قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّك قَدْ عَلِمْت أَنَّ رِوَايَةَ الثَّلَاثَةِ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّنْفِيلِ فِي تِلْكَ الْوَقْعَةِ.
وَنَصُّ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ: «أَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَمَعَنَا فَرَسٌ» لَا يُنَافِيهِ، وَكَذَا حَدِيثُ أَحْمَدَ «أَنَّهُ ﵊ أَعْطَى الزُّبَيْرَ سَهْمًا وَفَرَسَهُ سَهْمَيْنِ» وَكَذَا حَدِيثُ جَابِرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: «شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ غُزَاةً فَأَعْطَى الْفَارِسَ مِنَّا ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَأَعْطَى الرَّاجِلَ سَهْمًا» بَلْ هَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَيْسَ أَمْرُهُ الْمُسْتَمِرُّ وَإِلَّا لَقَالَ كَانَ ﵊ أَوْ قَضَى ﵊ وَنَحْوَهُ، فَلَمَّا قَالَ غُزَاةً وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ ﷺ غَزَوَاتٍ ثُمَّ خَصَّ هَذَا الْفِعْلِ بِغُزَاةٍ مِنْهَا كَانَ ظَاهِرًا فِي أَنَّ غَيْرَهَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ.
نَعَمْ فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ لِحَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَعْطَانِي يَوْمَ بَدْرٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ أُخْرَى عَنْهُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَلَا تَنَافِيَ، إذَا جَازَ كَوْنُهُ قَسَّمَ لَهُ ذَلِكَ فِيهِمَا. وَمَا فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ «أَنَّهُ شَهِدَ حُنَيْنًا فَأَسْهَمَ لِفَرَسِهِ سَهْمَيْنِ وَلَهُ سَهْمًا».
وَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي غَزْوَةِ بَنِي قُرَيْظَةَ «أَنَّهُ ﵊ جَعَلَ لِلْفَارِسِ وَفَرَسِهِ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ، لَهُ سَهْمٌ وَلِفَرَسِهِ سَهْمَانِ» لَا يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ مُسْتَمِرٌّ مِنْهُ ﵊.
وَقَدْ بَقِيَ حَدِيثُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ عَنْ عَائِشَةَ، وَتَقَدَّمَ مَا يُعَارِضُ حَدِيثَ بَنِي قُرَيْظَةَ هَذَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي كَبْشٍ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ «إنِّي جَعَلَتْ لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلْفَارِسِ سَهْمًا» فَمَنْ نَقَصَهُمَا نَقَصَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَلَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْقَيْسِيِّ أَكْثَرُ النَّاسِ عَلَى تَضْعِيفِهِ وَتَوْهِينِهِ
(قَوْلُهُ وَلَا يُسْهِمُ إلَّا لِفَرَسٍ وَاحِدٍ) أَيْ إذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ) وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ (يُسْهِمُ لِفَرَسَيْنِ) فَيُعْطِي خَمْسَةَ أَسْهُمٍ، سَهْمٌ لَهُ وَأَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ لِفَرَسَيْهِ. وَلَمْ يَذْكُرْ الْخِلَافَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي رِوَايَةِ الْإِمْلَاءِ عَنْهُ.
وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ لِذَلِكَ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ ﵊ أَسْهَمَ لِفَرَسَيْنِ» وَهَذَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ بَشِيرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُحْصَنٍ قَالَ: «أَسْهَمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِفَرَسِي أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ وَلِي سَهْمًا فَأَخَذْت خَمْسَةَ أَسْهُمٍ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَمِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرْنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ يَحْيَى الْأَسْلَمِيُّ.
أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مَكْحُولٍ «أَنَّ الزُّبَيْرَ حَضَرَ خَيْبَرَ بِفَرَسَيْنِ، فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ