للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالصَّوْمَعَةُ لِلتَّخَلِّي فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِيعَةِ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلسُّكْنَى، وَهَذَا فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْقُرَى؛ لِأَنَّ الْأَمْصَارَ هِيَ الَّتِي تُقَامُ فِيهَا الشَّعَائِرُ فَلَا تُعَارَضُ بِإِظْهَارِ مَا يُخَالِفُهَا.

وَقِيلَ فِي دِيَارِنَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي الْقُرَى أَيْضًا؛ لِأَنَّ فِيهَا بَعْضَ الشَّعَائِرِ، وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ فِي قُرَى الْكُوفَةِ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ. وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا

أَوْ كَنِيسَةٌ فَوَقَعَ فِي دَاخِلِ السُّوَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُهْدَمَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْأَمَانِ قَبْلَ وَضْعِ السُّوَرِ، فَيُحْمَلُ مَا فِي جَوْفِ الْقَاهِرَةِ مِنْ الْكَنَائِسِ عَلَى ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فَضَاءً فَأَدَارَ الْعُبَيْدِيُّونَ عَلَيْهَا السُّورَ ثُمَّ فِيهَا الْآنَ كَنَائِسُ، وَيَبْعُدُ مِنْ إمَامٍ تَمْكِينُ الْكُفَّارِ مِنْ إحْدَاثِهَا جِهَارًا فِي جَوْفِ الْمُدُنِ الْإِسْلَامِيَّةِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ فِي الضَّوَاحِي فَأُدِيرَ السُّوَرُ عَلَيْهَا فَأَحَاطَ بِهَا، وَعَلَى هَذَا فَالْكَنَائِسُ الْمَوْجُودَةُ الْآنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ غَيْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ كُلُّهَا يَنْبَغِي أَنْ لَا تُهْدَمَ؛ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ فِي أَمْصَارٍ قَدِيمَةٍ فَلَا شَكَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ أَوْ التَّابِعِينَ حِينَ فَتَحُوا الْمَدِينَةَ عَلِمُوا بِهَا وَبَقُوهَا، وَبَعْدَ ذَلِكَ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَتْ الْبَلْدَةُ فُتِحَتْ عَنْوَةً حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ بَقُوهَا مَسَاكِنَ لَا مَعَابِدَ فَلَا تُهْدَمُ وَلَكِنْ يُمْنَعُونَ مِنْ الِاجْتِمَاعِ فِيهَا لِلتَّقَرُّبِ، وَإِنْ عُرِفَ أَنَّهَا فُتِحَتْ صُلْحًا حَكَمْنَا بِأَنَّهُمْ أَقَرُّوهَا مَعَابِدَ فَلَا يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِيهَا بَلْ مِنْ الْإِظْهَارِ.

وَانْظُرْ إلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ: إنَّهُمْ إذَا حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلْيَصْنَعُوا فِي كَنَائِسِهِمْ الْقَدِيمَةِ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبُّوا، فَأَمَّا أَنْ يُخْرِجُوا ذَلِكَ مِنْ الْكَنَائِسِ حَتَّى يَظْهَرَ فِي الْمِصْرِ فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لِيَخْرُجُوا خُفْيَةً مِنْ كَنَائِسِهِمْ، وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى عَدَمِ الْإِحْدَاثِ بِقَوْلِهِ «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ». قَالَ الْمُصَنِّفُ : الْمُرَادُ إحْدَاثُهَا، وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْبِيعَةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ كَثِيرًا مِنْ الصَّحَابَةِ فِي الصُّلْحِ. وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيّ تَصْرِيحٌ بِذَلِكَ فِي سُنَنِهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا بُنْيَانَ كَنِيسَةٍ» وَضَعَّفَهُ. وَرَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي تَوْبَةُ بْنُ النَّمِرِ الْحَضْرَمِيُّ قَاضِي مِصْرَ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ «لَا خِصَاءَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا كَنِيسَةَ» قَالَ: وَرَوَى أَبُو الْأَسْوَدِ عَنْ ابْنِ لَهِيعَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : لَا كَنِيسَةَ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا خِصَاءَ.

وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ بِسَنَدِهِ إلَى عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ «لَا تُبْنَى كَنِيسَةٌ فِي الْإِسْلَامِ وَلَا يُبْنَى مَا خَرِبَ مِنْهَا» وَأُعِلَّ بِسَعِيدِ بْنِ سِنَانٍ، وَإِذَا تَعَدَّدَتْ طُرُقُ الضَّعِيفِ يَصِيرُ حَسَنًا.

ثُمَّ قِيلَ: الْمُرَادُ بِالْخِصَاءِ نَزْعُ الْخُصْيَتَيْنِ، وَقِيلَ كِنَايَةٌ عَنْ التَّخَلِّي عَنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ (وَالصَّوْمَعَةُ) وَهُوَ مَا يُبْنَى (لِلتَّخَلِّي) عَنْ النَّاسِ وَالِانْقِطَاعِ (فِيهَا) لَهُمْ مِثْلُهَا فَيُمْنَعُ أَيْضًا وَكَذَا يُمْنَعُ بَيْتُ نَارٍ.

(وَالْمَرْوِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْمَذْهَبِ) يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ كَانَ (فِي قُرَى الْكُوفَةِ؛ لِأَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِهَا أَهْلُ ذِمَّةٍ) بِخِلَافِ قُرَى الْمُسْلِمِينَ الْيَوْمَ، وَلِذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْإِجَارَاتِ: الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُمْ يُمْنَعُونَ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّوَادِ، وَإِنْ كَانَ هُوَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ: إنْ كَانَتْ قَرْيَةٌ غَالِبُ أَهْلِهَا أَهْلُ الذِّمَّةِ لَا يُمْنَعُونَ، وَأَمَّا الْقَرْيَةُ الَّتِي سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَا، فَصَارَ إطْلَاقُ مَنْعِ الْإِحْدَاثِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَصَدَقَ تَعْمِيمُ الْقُدُورِيِّ مَنْعَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. (قَوْلُهُ: وَفِي أَرْضِ الْعَرَبِ يُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ فِي أَمْصَارِهَا وَقُرَاهَا) فَلَا يُحْدَثُ فِيهَا كَنِيسَةٌ وَلَا تُقَرُّ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ السُّكْنَى بِهَا فَلَا فَائِدَةَ فِي إقْرَارِهَا، إلَّا أَنْ تُتَّخَذَ دَارَ سُكْنَى وَلَا يُبَاعُ بِهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>