وَذَلِكَ فِي الْمَالِ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا تَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَلَا يُعْتَبَرُ التَّفَاضُلُ فِيمَا لَا يَصِحُّ الشِّرْكَةُ فِيهِ، وَكَذَا فِي التَّصَرُّفِ، لِأَنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَا يَمْلِكُ الْآخَرُ لَفَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَلِكَ فِي الدَّيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا. وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ. وَجْهُ الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةُ بِمَجْهُولٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ. وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ ﷺ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ»
مُتَسَاوِيَةٌ صَحَّتْ الْمُفَاوَضَةُ، بِخِلَافِ مَا لَوْ زَادَتْ، وَكَذَا لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ دِينَارٍ وَقِيمَتُهُمَا أَلْفٌ صَحَّتْ، فَإِنْ زَادَتْ صَارَتْ عِنَانًا، وَكَذَا لَوْ وَرِثَ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ أَوْ اتَّهَبَهَا تَنْقَلِبُ عِنَانًا.
ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَالِ الَّذِي يَلْزَمُ فِيهِ التَّسَاوِي مَا تَصِحُّ بِهِ الشِّرْكَةُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ عَلَى قَوْلِهِمَا دُونَ الْعُرُوضِ، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَدِيعَةٌ نَقْدٌ لَمْ تَصِحَّ الْمُفَاوَضَةُ، وَلَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ صَحَّتْ إلَى أَنْ يَقْبِضَهُ، فَإِذَا قَبَضَهُ فَسَدَتْ وَصَارَتْ عِنَانًا، وَلِذَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِي التَّصَرُّفِ، فَإِنَّهُ لَوْ مَلَكَ أَحَدُهُمَا تَصَرُّفًا لَمْ يَمْلِكْهُ الْآخَرُ فَاتَ التَّسَاوِي، وَكَذَا فِي الدَّيْنِ لِمَا نُبَيِّنُ عَنْ قَرِيبٍ (قَوْلُهُ وَهَذِهِ الشِّرْكَةُ جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا ﵏ اسْتِحْسَانًا. وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ﵀. وَقَالَ مَالِكٌ ﵀: لَا أَعْرِفُ مَا الْمُفَاوَضَةُ)
وَهَذَا لَا يَلْزَمُ تَنَاقُضٌ بِهِ كَمَا قِيلَ: إذَا لَمْ يَعْرِفْهَا فَكَيْفَ حَكَمَ بِفَسَادِهَا لِأَنَّ الْعَالِمَ يَقُولُ مِثْلَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَنْ الْحُكْمِ بِالْفَسَادِ.
وَالْمَعْنَى: لَا وُجُودَ لِلْمُفَاوَضَةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْتُمُوهُ فِي الشَّرْعِ، وَمَا لَا وُجُودَ لَهُ شَرْعًا لَا صِحَّةَ لَهُ. وَقَدْ حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ أَنَّ الْمُفَاوَضَةَ تَجُوزُ وَهِيَ أَنْ يُفَوِّضَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى الْآخَرِ التَّصَرُّفَ فِي غَيْبَتِهِ وَحُضُورِهِ وَتَكُونُ يَدُهُ كَيَدِهِ غَيْرَ أَنْ لَا يَشْتَرِطَ التَّسَاوِي فِي الْمَالَيْنِ، وَمِمَّنْ رَوَى عَنْهُ الْقَوْلَ بِالْمُفَاوَضَةِ الشَّعْبِيُّ وَابْنُ سِيرِينَ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ (وَجْهُ) قَوْلِهِمَا وَهُوَ وَجْهُ (الْقِيَاسِ أَنَّهَا تَضَمَّنَتْ الْوَكَالَةَ بِ) شِرَاءٍ (مَجْهُولِ الْجِنْسِ وَالْكَفَالَةِ بِمَجْهُولٍ، وَكُلٌّ بِانْفِرَادِهِ فَاسِدٌ) وَلَوْ قَالَ وَكَّلْتُك بِشِرَاءِ عَبْدٍ أَوْ ثَوْبٍ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُبَيِّنَ نَوْعَهُ وَصِفَتَهُ، وَلَوْ كَفَّلَ لِمَنْ سَيَدِينُهُ بِمَا يَلْزَمُهُ لَا يَصِحُّ فَاجْتِمَاعُهَا يَزِيدُ فَسَادًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْوَكَالَةُ الْعَامَّةُ جَائِزَةٌ كَمَا لَوْ قَالَ لِآخَر وَكَّلْتُك فِي مَالِي اصْنَعْ فِيهِ مَا شِئْت حَتَّى يُجَوِّزَ لَهُ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَ. قُلْنَا: الْعُمُومُ غَيْرُ مُرَادٍ، فَإِنَّهُ لَا يَثْبُتُ وَكَالَةُ كُلٍّ فِي شِرَاءِ طَعَامِ أَهْلِ الْآخَرِ وَكِسْوَتِهِمْ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَامًّا كَانَ تَوْكِيلًا بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ (وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ) أَمْرَانِ: أَحَدُهُمَا (مَا رُوِيَ عَنْهُ ﷺ أَنَّهُ قَالَ «فَاوِضُوا فَإِنَّهُ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ») أَيْ أَنَّ عَقْدَ الْمُفَاوَضَةِ أَعْظَمُ لِلْبَرَكَةِ، وَقَوْلُهُ ﷺ «إذَا فَاوَضْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْمُفَاوَضَةَ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute