قَالَ (وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْمَاءَ فَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ، وَالْكَسْبُ كُلُّهُ لِلَّذِي اسْتَقَى، وَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الرَّاوِيَةِ إنْ كَانَ الْعَامِلُ صَاحِبَ الْبَغْلِ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الرَّاوِيَةِ فَعَلَيْهِ أَجْرُ مِثْلِ الْبَغْلِ)
مَجْهُولٌ إذْ لَمْ يَدْرِ أَيَّ نَوْعٍ مِنْ الْحَطَبِ يُصِيبَانِ، وَهَلْ يُصِيبَانِ شَيْئًا أَوْ لَا، وَالرِّضَا بِالْمَجْهُولِ لَغْوٌ، فَسَقَطَ اعْتِبَارُ رِضَاهُ بِالنِّصْفِ لِلْجَهَالَةِ، وَصَارَ مُسْتَوْفِيًا مَنَافِعَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ فِيمَا إذَا لَمْ يُصِيبَا شَيْئًا، وَفِيمَا إذَا أَصَابَا أَنَّهُ إنْ كَانَ أَجْرُ مِثْلِهِ أَكْثَرَ فَهُوَ قَدْ رَضِيَ بِمَا دُونَهُ مِنْ النِّصْفِ، وَكَوْنُهُ مَجْهُولًا فِي الْحَالِ فَهِيَ حَالَةٌ عَلَى شَرَفِ الزَّوَالِ فَإِنَّهُ عَلَى عَرَضِ أَنْ يَصِيرَ مَعْلُومًا عِنْدَ الْجَمْعِ وَالْبَيْعِ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُصِيبَا شَيْئًا فَإِنَّ الْمُسَمَّى لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُهُ لِجَهَالَتِهِ بِالتَّفَاحُشِ حَالًا وَمَآلًا فَحِينَئِذٍ أَجْرُ الْمِثْلِ بَالِغًا مَا بَلَغَ.
وَقَوْلُهُ (لَا يُجَاوَزُ بِهِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ. وَقَوْلُهُ (نِصْفُ ثَمَنِ ذَلِكَ) بِالرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ النَّائِبُ عَنْ الْفَاعِلِ. [فَرْعٌ]
لَهُمَا كَلْبٌ فَأَرْسَلَاهُ فَمَا أَصَابَ بَيْنَهُمَا، وَلَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا وَأَرْسَلَاهُ جَمِيعًا كَانَ مَا أَصَابَهُ لِمَالِكِهِ
(قَوْلُهُ وَإِذَا اشْتَرَكَا وَلِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ يَسْتَقِي عَلَيْهَا الْمَاءَ وَمَا تَحَصَّلَ بَيْنَهُمَا لَمْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ) اعْلَمْ أَنَّ الرَّاوِيَةَ فِي الْأَصْلِ هُوَ الْجَمَلُ الَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ الْمَاءُ سُمِّيَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَرْوِيهِ، وَيُقَالُ رَوَيْت لِلْقَوْمِ: إذَا سَقَيْت لَهُمْ، وَكَثُرَ ذَلِكَ حَتَّى قِيلَ لِلْمَزَادَةِ وَهِيَ الْجُلُودُ الثَّلَاثَةُ الْمَصْنُوعَةُ لِنَقْلِ الْمَاءِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا جَمَلٌ وَلِلْآخَرِ بَغْلٌ فَاشْتَرَكَا عَلَى أَنَّ كُلًّا يُؤَجِّرُ مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ فَمَا رُزِقَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَذَلِكَ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ مَعْنَى هَذَا أَنَّ كُلًّا قَالَ لِصَاحِبِهِ بِعْ مَنَافِعَ دَابَّتِك لِيَكُونَ ثَمَنُهُ بَيْنَنَا وَمَنَافِعَ دَابَّتِي عَلَى أَنَّ ثَمَنَهُ بَيْنَنَا، وَلَوْ صَرَّحَا بِهَذَا كَانَتْ الشَّرِكَةُ فَاسِدَةً ثُمَّ إنْ أَجَرَاهُمَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ صَفْقَةً وَاحِدَةً فِي عَمَلٍ مَعْلُومٍ قُسِّمَ الْأَجْرُ عَلَى مِثْلِ أَجْرِ الْبَغْلِ وَمِثْلِ أَجْرِ الْجَمَلِ؛ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمَّا فَسَدَتْ وَالْإِجَارَةُ صَحِيحَةٌ لِانْعِقَادِهَا عَلَى مَنَافِعَ مَعْلُومَةٍ بِبَدَلٍ مَعْلُومٍ كَانَ الْأَجْرُ مَقْسُومًا بَيْنَهُمَا، كَذَلِكَ كَمَا يُقْسَمُ الثَّمَنُ عَلَى قِيمَةِ الْمَبِيعَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اشْتَرَكَا عَلَى أَنْ يَتَقَبَّلَا الْحُمُولَاتِ الْمَعْلُومَةَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ وَلَمْ يُؤَاجِرْ الْبَغْلَ وَالْجَمَلَ كَانَتْ صَحِيحَةً لِأَنَّهَا شَرِكَةُ التَّقَبُّلِ وَالْأَجْرُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ، وَلَا يُعْتَبَرُ زِيَادَةُ حَمْلِ الْجَمَلِ عَلَى حَمْلِ الْبَغْلِ كَمَا لَا يُعْتَبَرُ فِي شَرِكَةِ التَّقَبُّلِ زِيَادَةُ عَمَلِ أَحَدِهِمَا كَصَبَّاغَيْنِ لِأَحَدِهِمَا آلَةُ الصَّبْغِ وَلِلْآخَرِ بَيْتٌ يَعْمَلُ فِيهِ اشْتَرَكَا عَلَى تَقَبُّلِ الْأَعْمَالِ لِيَعْمَلَا بِتِلْكَ الْآلَةِ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ.
وَإِنْ أَجَّرَ الْبَعِيرَ أَوْ الْبَغْلَ بِعَيْنِهِ كَانَ كُلُّ الْأَجْرِ لِصَاحِبِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْعَاقِدُ، فَلَوْ أَعَانَهُ الْآخَرُ عَلَى التَّحْمِيلِ وَالنَّقْلِ كَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُجَاوَزُ نِصْفُ الْأَجْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute