. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
نَصَّ عَلَيْهِ الْخَصَّافُ فِي وَقْفِهِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ خِلَافَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهُ إنَّمَا شَرَطَ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً عِنْدَ هُمْ؛ فَقَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ: الْوَقْفُ كَالْوَصِيَّةِ، وَلَوْ أَنْكَرَ فَشَهِدَ عَلَيْهِ ذِمِّيَّانِ عَدْلَانِ فِي مِلَّتِهِمْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالْوَقْفِ، وَلَوْ وَقَفَ عَلَى أَنْ يَحُجَّ بِهِ أَوْ يَعْتَمِرَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قُرْبَةً عِنْدَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ وَقَفَ عَلَى مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ. وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ إذَا وَقَفَ حَالَ رِدَّتِهِ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ مَوْقُوفٌ إنْ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ بَطَلَ وَقْفُهُ. وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ إذَا انْتَحَلَ دِينًا جَازَ مِنْهُ مَا نُجِيزُهُ لِأَهْلِ ذَلِكَ الدِّينِ. أَمَّا الْمُرْتَدَّةُ فَأَبُو حَنِيفَةَ يُجِيزُ وَقْفَهَا لِأَنَّهَا لَا تُقْتَلُ.
وَأَمَّا الْمُسْلِمُ إذَا وَقَفَ وَقْفًا صَحِيحًا فِي أَيِّ وَجْهٍ كَانَ ثُمَّ ارْتَدَّ يَبْطُلُ الْوَقْفُ وَيَصِيرُ مِيرَاثًا سَوَاءٌ قُتِلَ عَلَى رِدَّتِهِ أَوْ مَاتَ أَوْ عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ إلَّا إنْ أَعَادَ الْوَقْفَ بَعْدَ عَوْدِهِ إلَى الْإِسْلَامِ، وَحَكَى الْخَصَّافُ فِي وَقْفِ الْمُرْتَدِّينَ خِلَافًا بَيْنَ أَصْحَابِنَا مَبْنِيًّا عَلَى الْخِلَافِ فِي الذِّمِّيِّ يَتَزَنْدَقُ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا، قَالَ بَعْضُهُمْ: أُقِرُّهُ عَلَى مَا اخْتَارَهُ وَأُقِرُّ الْجِزْيَةَ عَلَيْهِ لِأَنِّي إنْ أَخَذْته بِالرُّجُوعِ فَإِنَّمَا أَرُدُّهُ مِنْ كُفْرٍ إلَى كُفْرٍ وَلَا أَرَى ذَلِكَ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا أُقِرُّهُ عَلَى الزَّنْدَقَةِ. وَأَمَّا الصَّابِئَةُ فَإِنْ كَانُوا دَهْرِيَّةً يَقُولُونَ مَا يُهْلِكُنَا إلَّا الدَّهْرُ فَهُمْ صِنْفٌ مِنْ الزَّنَادِقَةِ، وَإِنْ كَانُوا يَقُولُونَ بِقَوْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ صَحَّ مِنْ وُقُوفِهِمْ مَا يَصِحُّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ، وَجَمِيعُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ بَعْدَ كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، حُكْمُ وَقْفِهِمْ وَوَصَايَاهُمْ حُكْمُ أَهْلِ الْإِسْلَامِ؛ أَلَا تَرَى إلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَهَذَا حُكْمٌ بِإِسْلَامِهِمْ.
وَأَمَّا الْخَطَابِيَّةُ فَإِنَّمَا لَمْ يُقْبَلُوا؛ لِأَنَّهُ قِيلَ إنَّهُمْ يَشْهَدُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ بِالزُّورِ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ. وَقِيلَ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ صَدَقَ الْمُدَّعِي إذَا حَلَفَ أَنَّهُ مُحِقٌّ. وَمِنْ الشُّرُوطِ الْمِلْكُ وَقْتَ الْوَقْفِ، حَتَّى لَوْ غَصَبَ أَرْضًا فَوَقَفَهَا، ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْ مَالِكِهَا وَدَفَعَ ثَمَنَهَا إلَيْهِ أَوْ صَالَحَ عَلَى مَالٍ دَفَعَهُ إلَيْهِ لَا تَكُونُ وَقْفًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا مَلَكَهَا بَعْدَ أَنْ وَقَفَهَا، هَذَا عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْوَاقِفُ. أَمَّا لَوْ وَقَفَ ضَيْعَةَ غَيْرِهِ عَلَى جِهَاتٍ فَبَلَغَ فَأَجَازَهُ جَازَ بِشَرْطِ الْحُكْمِ وَالتَّسْلِيمِ أَوْ عَدَمِهِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ، وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِجَوَازِ وَقْفِ الْفُضُولِيِّ، وَسَتَأْتِيك فُرُوعٌ أُخَرُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ. وَمِنْ شَرْطِهِ أَنْ لَا يَكُونَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ، حَتَّى لَوْ حَجَرَ الْقَاضِي عَلَيْهِ لِسَفَهٍ أَوْ دَيْنٍ فَوَقَفَ أَرْضًا لَهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ حَجْرَهُ عَلَيْهِ كَيْ لَا يَخْرُجَ مَالُهُ عَنْ مِلْكِهِ لِيَضُرَّ بِأَرْبَابِ الدُّيُونِ أَوْ بِنَفْسِهِ كَذَا أَطْلَقَهَا الْخَصَّافُ. وَيَنْبَغِي أَنَّهُ إذَا وَقَفَهَا فِي الْحَجْرِ لِلسَّفَهِ عَلَى نَفْسِهِ، ثُمَّ لِجِهَةٍ لَا تَنْقَطِعُ أَنْ يَصِحَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ وَعِنْدَ الْكُلِّ إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ، هَذَا وَأَمَّا عَدَمُ تَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ كَالرَّهْنِ وَالْإِجَارَةِ فَلَيْسَ بِشَرْطٍ، فَلَوْ أَجَّرَ أَرْضًا عَامَيْنِ فَوَقَفَهَا قَبْلَ مُضِيِّهَا لَزِمَ الْوَقْفُ بِشَرْطِهِ فَلَا يَبْطُلُ عَقْدُ الْإِجَارَةِ، فَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَتْ الْأَرْضُ إلَى مَا جَعَلَهَا لَهُ مِنْ الْجِهَاتِ، وَكَذَا لَوْ رَهَنَ أَرْضَهُ ثُمَّ وَقَفَهَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَكَّهَا لَزِمَ الْوَقْفُ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ الرَّهْنِ بِذَلِكَ، وَلَوْ أَقَامَتْ سِنِينَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute