أَدْرُعًا وَأَفْرَاسًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلْحَةُ حَبَسَ دُرُوعَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى» وَيُرْوَى أَكْرَاعُه. وَالْكُرَاعُ: الْخَيْلُ. وَيَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ الْإِبِلُ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يُجَاهِدُونَ عَلَيْهَا، وَكَذَا السِّلَاحُ يُحْمَلُ عَلَيْهَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجُوزُ وَقْفُ مَا فِيهِ تَعَامُلٌ مِنْ الْمَنْقُولَاتِ كَالْفَأْسِ وَالْمَرِّ وَالْقَدُومِ وَالْمِنْشَارِ وَالْجِنَازَةِ وَثِيَابِهَا وَالْقُدُورِ وَالْمَرَاحِلِ وَالْمَصَاحِفِ.
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْقِيَاسَ إنَّمَا يُتْرَكُ بِالنَّصِّ، وَالنَّصُّ وَرَدَ فِي الْكُرَاعِ وَالسِّلَاحِ فَيُقْتَصَرُ عَلَيْهِ.
وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ وَالْعَبَّاسُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَا يَنْقِمُ ابْنُ جَمِيلٍ إلَّا أَنْ كَانَ فَقِيرًا فَأَغْنَاهُ اللَّهُ، وَأَمَّا خَالِدٌ فَإِنَّكُمْ تَظْلِمُونَ خَالِدًا وَقَدْ احْتَبَسَ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَمَّا الْعَبَّاسُ عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَهِيَ عَلَيَّ وَمِثْلُهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا شَعَرْت أَنَّ عَمَّ الرَّجُلِ صِنْوُ أَبِيهِ» وَأَمَّا مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ طَلْحَةَ حَبَسَ دُرُوعَهُ، وَفِي رِوَايَةٍ أَدْرَاعَهُ وَأَعْتُدَهُ فَلَمْ يُعْرَفْ، وَكَذَا لَمْ يُعْرَفْ جَمْعُهُ عَلَى أَكْرَاعٍ؛ لِأَنَّ فُعَالًا لَا يُجْمَعُ عَلَى أَفْعَالٍ بَلْ عَلَى أَفْعُلٍ كَعُقَابٍ وَأَعْقُبٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ لَهُ فِي الصِّحَاحِ صِيغَتَيْ جَمْعٍ، قَالَ: فَالْجَمْعُ أَكْرُعٌ ثُمَّ أَكَارِعٌ، إلَّا أَنَّ الطَّبَرَانِيَّ أَخْرَجَ عَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ الْوَفَاةُ قَالَ: لَقَدْ طَلَبْت الْقَتْلَ فَلَمْ يُقَدَّرْ لِي إلَّا أَنْ أَمُوتَ عَلَى فِرَاشِي، وَمَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ " لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ " وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ، ثُمَّ قَالَ: إذَا أَنَا مِتّ فَانْظُرُوا سِلَاحِي وَفَرَسِي فَاجْعَلُوهُ عُدَّةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ بِهَذَا السَّنَدِ فِي تَارِيخِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَقَالَ فِيهِ: مَا مِنْ عَمَلٍ أَرْجَى عِنْدِي بَعْدَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ مِنْ لَيْلَةٍ بِتُّهَا وَأَنَا مُتَتَرِّسٌ وَالسَّمَاءُ تَهُلْنِي نَنْظُرُ الصُّبْحَ حَتَّى نُغِيرَ عَلَى الْكُفَّارِ. وَإِذَا عُرِفَ هَذَا فَالْإِبِلُ تَدْخُلُ فِي حُكْمِهِ بِالدَّلَالَةِ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَغْزُونَ عَلَيْهَا، مَعَ أَنَّهُ رُوِيَ «أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ ﷺ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا مَعْقِلٍ جَعَلَ نَاضِحَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ أَفَأَرْكَبُهُ؟ فَقَالَ ﷺ: ارْكَبِيهِ فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ مِنْ سَبِيلِ اللَّهِ» وَالْحَاصِلُ أَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ تَبَعًا لِلْعَقَارِ يَجُوزُ. وَأَمَّا وَقْفُهُ مَقْصُودًا، إنْ كَانَ كُرَاعًا أَوْ سِلَاحًا جَازَ، وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ إنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِوَقْفِهِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ وَنَحْوِهِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا، وَإِنْ كَانَ مُتَعَارَفًا كَالْجِنَازَةِ وَالْفَأْسِ وَالْقَدُومِ وَثِيَابِ الْجِنَازَةِ وَمِمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ الْأَوَانِي وَالْقُدُورِ فِي غُسْلِ الْمَوْتَى وَالْمَصَاحِفِ، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَجُوزُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يَجُوزُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ. وَفِي الْفَتَاوَى لِقَاضِي خَانْ. وَقَفَ بِنَاءً بِدُونِ أَرْضٍ قَالَ هِلَالٌ: لَا يَجُوزُ انْتَهَى. لَكِنْ فِي الْخَصَّافِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْأَرْضَ إذَا كَانَتْ مُتَقَرِّرَةً لِلِاحْتِكَارِ جَازَ فَإِنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ وَقَفَ بِنَاءَ دَارٍ لَهُ دُونَ الْأَرْضِ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ، قِيلَ لَهُ فَمَا تَقُولُ فِي حَوَانِيتِ السُّوقِ إنْ وَقَفَ رَجُلٌ حَانُوتًا مِنْهَا؟ قَالَ: إنْ كَانَ الْأَرْضُ إجَارَةً فِي أَيْدِي الْقَوْمِ الَّذِينَ بَنَوْهَا لَا يُخْرِجُهُمْ السُّلْطَانُ عَنْهَا فَالْوَقْفُ جَائِزٌ لِأَنَّا رَأَيْنَاهَا فِي أَيْدِي أَصْحَابِ الْبِنَاءِ يَتَوَارَثُونَهَا وَتُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لَا يَتَعَرَّضُ لَهُمْ السُّلْطَانُ وَلَا يُزْعِجُهُمْ عَنْهَا، وَإِنَّمَا لَهُ غَلَّةٌ يَأْخُذُهَا وَتَدَاوَلَهَا الْخُلَفَاءُ وَمَضَى عَلَيْهِ الدُّهُورُ وَهِيَ فِي أَيْدِيهِمْ يَتَبَايَعُونَهَا وَيُؤَاجِرُونَهَا وَتَجُوزُ فِيهَا وَصَايَاهُمْ وَيَهْدِمُونَ بِنَاءَهَا وَيَبْنُونَ غَيْرَهُ، فَأَفَادَ أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ جَازَ وَقْفُ الْبُنْيَانِ فِيهِ وَإِلَّا فَلَا.
وَذَكَرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: إذَا بَنَى قَنْطَرَةً لِلْمُسْلِمِينَ جَازَ وَلَا يَكُونُ بِنَاؤُهَا مِيرَاثًا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ إنَّمَا خَصَّ الْبِنَاءَ بِذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ أَنْ تُتَّخَذَ عَلَى جَنْبَتَيْ النَّهْرِ الْعَامِّ وَذَلِكَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ. ثُمَّ قَالَ: وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ وَقْفِ الْبِنَاءِ بِدُونِ الْأَصْلِ. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْأَصْلِ أَنَّ وَقْفَ الْبِنَاءِ بِدُونِ أَصْلِ الدَّارِ لَا يَجُوزُ، وَلَا يَجُوزُ وَقْفُ الْبِنَاءِ فِي أَرْضٍ هِيَ عَارِيَّةٌ أَوْ إجَارَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِلْكًا لِوَاقِفِ الْبِنَاءِ جَازَ عِنْدَ الْبَعْضِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute