وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا، وَإِنْ بَيَّنَ ثَمَنَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْقَبُولَ فِي الْمَرْوِيِّ شَرْطًا لِجَوَازِ الْعَقْدِ فِي الْهَرَوِيِّ، وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ وَلَا قَبُولَ يُشْتَرَطُ فِي الْمَعْدُومِ فَافْتَرَقَا.
وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ) الْبَيْعُ (فِي فَصْلِ النُّقْصَانِ أَيْضًا) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا عَلَى أَنَّ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ جَائِزٌ فِي الثِّيَابِ الْمَوْجُودَةِ قَوْلُهُمَا.
وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَالْعَقْدُ فَاسِدٌ فِي الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ فَسَدَ فِي الْبَعْضِ بِمُفْسِدٍ مُقَارَنٍ وَهُوَ الْعَدَمُ، وَالْأَصْلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَقْدَ مَتَى فَسَدَ فِي الْبَعْضِ بِفَسَادٍ مُقَارَنٍ يَفْسُدُ فِي الْبَاقِي، وَقَدْ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ مَسْأَلَةً فِي الْجَامِعِ تَدُلُّ عَلَى هَذَا وَهِيَ رَجُلٌ (اشْتَرَى ثَوْبَيْنِ عَلَى أَنَّهُمَا هَرَوِيَّانِ) كُلُّ ثَوْبٍ بِعَشَرَةٍ (فَإِذَا أَحَدُهُمَا مَرْوِيٌّ) بِسُكُونِ الرَّاءِ نِسْبَةً إلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ، أَمَّا النِّسْبَةُ إلَى مَرْوَ الْمَعْرُوفَةِ بِخُرَاسَانَ فَقَدْ الْتَزَمُوا فِيهَا زِيَادَةَ الزَّايِ فَيُقَالُ مَرْوَزِيُّ وَكَأَنَّهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ، قَالَ: فَسَدَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبَيْنِ جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ فِي الْهَرَوِيِّ، وَالْفَائِتُ فِي مَسْأَلَةِ الْجَامِعِ الصِّفَةُ لَا أَصْلُ الثَّوْبِ وَقَدْ فَسَدَ فِي الْكُلِّ بِفَوَاتِهِ فَفَسَادٌ فِي الْكُلِّ وَالْفَائِتِ أَحَدُهَا أَوْلَى، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَقَالَ إنَّهُ الصَّحِيحُ عِنْدَهُ، وَكَذَا نَسَبَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ إلَى أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا، ثُمَّ قَالَ: وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا: يَعْنِي عَدَمَ الْفَسَادِ فِي الْبَاقِي؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ فِي نَظَائِرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّمَا يَفْسُدُ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ الْمُفْسِدَةِ، وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِيمَا يَفْسُدُ فِيهِ الْعَقْدُ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ فِي الْآخَرِ وَهُنَا لَمْ يُوجَدْ هَذَا فَإِنَّهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ وَلَا قَصَدَ إيرَادَ الْعَقْدِ عَلَى الْمَعْدُومِ بَلْ عَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ فَغَلَطَ فِي الْعَدَدِ، بِخِلَافِ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ فَإِنَّهُ جَعَلَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِي الْآخَرِ وَهُوَ شَرْطٌ فَاسِدٌ.
وَأَقُولُ: قَوْلُهُ مَا شَرَطَ قَبُولَ الْعَقْدِ فِي الْمَعْدُومِ إنْ كَانَ صَرِيحًا مَعْلُومًا وَلَا يَضُرُّ، فَإِنَّ فِي الثَّوْبَيْنِ أَيْضًا مَا شَرَطَ قَبُولَهُ فِي الْمَرْوِيِّ صَرِيحًا، وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ أَنَّهُ إذَا أَضَافَ الْعَقْدَ إلَى مُتَعَدِّدِ صَفْقَةٍ كَانَ قَبُولُ الْعَقْدِ فِي كُلٍّ شَرْطًا فِي قَبُولِهِ فِي الْآخَرِ كَمَا فِي الثَّوْبَيْنِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ فِي الْعَشَرَةِ أَيْضًا كَذَلِكَ، فَكَانَ قَبُولُهُ فِي الْعَاشِرِ شَرْطًا لِقَبُولِهِ فِيمَا سِوَاهُ وَلَا وُجُودَ لِلْعَاشِرِ، فَكَانَ قَبُولُهُ فِي الْمَعْدُومِ شَرْطًا إلَى آخِرِهِ.
وَحَاصِلُ قَوْلِهِ وَمَا قَصَدَهُ إلَى آخِرِهِ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْمُصَنِّفُ وَهُوَ أَنَّ الشَّيْئَيْنِ الْمَوْجُودَيْنِ الْمَوْصُوفَيْنِ بِوَصْفٍ إذَا دَخَلَا فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ كَانَ قَبُولُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِذَلِكَ الْوَصْفِ شَرْطًا لِلْقَبُولِ فِي الْآخَرِ بِذَلِكَ الْوَصْفِ، فَإِذَا انْعَدَمَ ذَلِكَ الْوَصْفُ فِي أَحَدِهِمَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute